محمد أبو تريكة: لاعب كرة قدم أم إرهابي؟ | صحيفة السفير

محمد أبو تريكة: لاعب كرة قدم أم إرهابي؟

خميس, 19/01/2017 - 13:15

يلخّص قرار إدراج المحكمة الجنائية نجم كرة القدم الشهير السابق محمد أبو تريكة على قوائم المنظمات والشخصيات «الإرهابية» الكثير من ملامح الأزمة الجارية في مصر ويوضح، بشكل كاشف، الورطة التي وضعت السلطات فيها نفسها باتخاذها هذا الطريق الوعر للاشتباك مع المجتمع المصري تحت اليافطة العريضة والعنوان الملغوم لكلمة إرهاب.
ففي ظل ما تعانيه «شخصية مصر» (عنوان الكاتب المصري جمال حمدان) نفسها من تدهور منذ عقود، وعلى الصعد كافّة، كانت الرياضة، وكرة القدم على الخصوص، نوعاً من التعويض العامّ الذي ينفّس الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويجمع النخب والجمهور العام على همّ وطنيّ ـ رياضيّ من خلال تنافس المنتخب المصري ونظرائه الكبار في المغرب العربي، كالجزائر وتونس، ومنافسيه الأفارقة كالكاميرون ونيجيريا وساحل العاج وغانا وجنوب أفريقيا، ويتجدّد الأمل كل مرّة لعودة مصر للتمثيل في المونديال أو بالحصول على كأس أفريقيا، كما كانت المنافسات المحلّية بين فرق مصر الكبيرة، وعلى رأسها الزمالك والأهلي مجالاً عامّاً آسراً يصعب أن يفلت مصريّ من جاذبيته.
خلق هذا الفضاء الرياضيّ العامّ مكاناً لشخصيات مثل أبو تريكة في قلوب المصريين، فالمهاجم السابق للنادي الأهلي اختير أربع مرات أفضل لاعب أفريقي وساهم في هيمنة بلاده على بطولة القارة السمراء بين 2006 و2010، وكان مثيراً للدهشة أن تقوم السلطات القضائية لمصر بإدراج اسم اللاعب في يوم خوض مصر مباراتها الأولى في كأس الأمم الأفريقية الـ31، وأن تكون النتيجة البليغة المعنى لهذه المباراة التعادل السلبي مع المنتخب المتواضع لمالي.
إلى مواهبه الكروية الفريدة تميّز أبو تريكة بشخصيّة إنسانيّة شجاعة عبّرت عن نفسها بمواقفه العفوية من القضايا السياسية العامّة وأشهرها تعاطفه مع القضية الفلسطينية الذي عبّر عنه مرّة بظهوره في مباراة بقميص كتب عليه «تعاطف مع غزة» احتجاجاً على الحصار الإسرائيلي وهو ما كلفه بطاقة صفراء.
والأغلب أن هذه الشجاعة التي عبّرت عن نفسها في الشؤون العامة، كما حصل في دعمه لأسر ضحايا مذبحة بورسعيد التي قتل فيها 72 مشجعاً للنادي عام 2012 (في الذكرى الأولى لموقعة الجمل الشهيرة) والتي اتهمت فيها قوات الأمن بتسهيل المجزرة من خلال السماح بإدخال أسلحة نارية وبيضاء وإقفال البوابات، كانت أحد الأسباب التي جعلته محصّناً جماهيرياً من جهة، ومحطّ انزعاج السلطات من جهة أخرى.
غير أن تحوّل انزعاج السلطات إلى اتهام بالإرهاب يرتبط، عمليّاً، بإعلان أبو تريكة رفضه الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، وهو ما أدّى إلى رفع «البطاقة الحمراء» السياسية للنظام الحالي ضدّه، والذي اتخذ شكل قرارات قضائية إشكالية بحجز أمواله، وصولاً إلى الاتهام الجنونيّ له بـ«الإرهاب».
مشكلة أبو تريكة هي رأيه السياسيّ الذي يحاسب ويعاقب عليه، ويتحوّل بسببه من لاعب كرة قدم إلى إرهابي.
محبّة الجمهور المصري لأبو تريكة جعلته لقمة صعبة على هضم السلطات ومكنته من التغلّب على التبليغات القضائية السابقة ضدّه لكنّها، بالتأكيد، من جهة أخرى، أثارت ضغينة من يعتبر التغلّب العسكريّ والأمنيّ رخصة لمنع أي شهرة أو محبّة أو اختلاف في الرأي.
إلى كلّ ذلك يفضح تجريم اللاعب الشهير واتهامه بالإرهاب رثاثة الاتهامات جميعها واندراجها في إطار إرهاب الدولة الممنهج ضد الجميع.

 

القدس العربي