توزيع القطع الأرضية على المواطنين الفقراء في نواكشوط جميل، وأجمل منه أن تكون قطعا محترمة، لا أوجِرَةً ضيقة؛ والأجملُ أن تكون مُستَصْلَحةً مُستَوية، لا قُنةَ كثيبٍ مَهيل أو حفرةً في حِقْفٍ يحتلها اليتوع؛ والأجملُ والأكملُ أن يُبنى لهم بها ـ على الفور ـ حائطٌـ وبيتٌ ومرافق صحية وتُزوَّد بالماء والكهرباء، لا أن تكون نفسَ الأخبية والصفائح والأعواد بعدما تمزقت وانتثرت أثناء الترحيل!
أحياء "الترحيل"، أيها السادة، التي يَعدها النظام من أعظم نِعمه المَمنُونة وإنجازاته الميمونة، ليست إلا نقمة ابتلى الله بها بعض الفقراء من المواطنين الذين كان ألجأهم الحال إلى السكن في "الكبات والـﮕـژرات" قريبين من معائشهم، دون أن يكونوا من ناهبي الأرض ومغتصبي الساحات والأماكن العامة، والمحتالين عليها للتجارة والإثراء...
وإن حال سكان "أحياء الترحيل" هؤلاء اليوم، مع هواجس انعدام الأمن، تترجمها رحلة العذاب اليومية في وسائل النقل وتكاليفه الباهظة؛ ومع ضعف ورداءة التموين بالمواد الضرورية التي ترتفع أسعارها في أحيائهم بسبب البعد والندرة!
كل صباح لا مندوحة لأغلب هؤلاء السكان (خاصة من التلاميذ والطلاب والعمال والمرضى...) من رحلة ـ طويلة أو قصيرة ـ إلى الشارع العام. ومن ثَم أخذ سيارة الأجرة، على الأقل في أربع أو ثلاث رحلات منفصلة، للوصول إلى مركز المدينة؛ حيث تتمركز كافة السلع والخدمات العمومية والخصوصية المتاحة في البلد!
وفي المساء، أو قبله، تتكرر نفس الرحلات بالعكس.
وعلى أساس أن سيارات النقل متوفرة، والجيوب والحقائب مترعة بالمال، فإن كل رحلة ستكلف الشخص الواحد مائة أوقية، وأحيانا مع مائة دقيقة في زحمة وضوضاء وتلوث اختناقات المرور!
(إن موظفا يَدرس ثلاثة من أبنائه ـ مثلا ـ في العاصمة حتم عليه توفير 2400 أوقية للنقل وحده كل يوم عمل، أو العودة إلى الكبة والـﮕـژرة!)
لقد وجد أصحاب سيارات الأجرة في "فصل" هذه الرحلات وتعددها عبر مسافات قصيرة، طريقة مثالية للاحتيال على أسعار النقل، كما وجدت فيها السلطات المشرفة على هذا القطاع ما يهمها ويعنيها عناية ومتابعة وهو جني الرسوم اليومية على كل سيارة أجرة في كل "مرحلة" من تلك المراحل المتسلسلة...
أما إن كانت سيارة الأجرة، هي أي مركبة؛ سواء كانت بلون وعلامة "الأجرة" أو خصوصيةً مُعتمةَ النوافذ ولا تحمل رقما ويقودها ملثم وتحمل سبعة أشخاص من باب واحد أحيانا... فلها ذلك؛ خاصة إذا كان سائقها عسكريا أو في "حكم العسكر"...!
وما تزال السلطات العليا تجادل بأن الفقراء لا يضرهم رفع أسعار المحروقات، لأنهم لا يملكون سيارات... وهذه حقيقة!
إنهم يركبون الرياح، ويسكنون الرياح، ويأكلون الرياح... وتلفح وجوههم الرياح!!
محفوظ ولد أحمد