قاضي قضاة الأردن الشيخ “أحمد هليل” من على المنبر: “أخاطب ملوك وأمراء ومشايخ الخليج :…حذاري: (كررها ثلاث مرات ) أن يضعف الأردن أو أن يحاط بالأردن… والأمور أخطر من أن توصف” وفي معرض مطالبة دول الخليج بدعم مالي للأردن قال:”أين هي أموالكم؟؟ …لن يقف الأمر عند الأردن وحده ستدور الدوائر على الجميع…”وبعد أن انفجر باكيا قال: “أفوض أمري إلى الله” بعد أن أفصح عن أن “اليهود” هم الجهة الوحيدة المستفيدة مما يجري.
إن هذا الفيض المباشر والمعبر عن المعاناة التي تهدد تماسك الأردن، الذي أشرف على الإنهيار الإقتصادي، والذي بدوره سيقود من ثم إلى الإنهيار السياسي؟ ما جاء إلا مستندا إلى معطيات بدأت نذرها الخطيرة تلوح في الأفق، تأسيسا برأيي على ما يلي:
وعد الرئيبس الأميركي “دونالد ترامب” بنقل السفارة الأميركية إلى “القدس″ الأمر الذي يرسخها عاصمة موحدة بشرقها وغربها لـ(إسرائيل)، برغم القرارات الدولية المعارضة. كيف سيتم ،تنفيذ وتثبيت ،هذه النقلة السياسية النوعية (المفصلية-فلسطينيا) التي ستقدم عليها أميركا”ترامب”؟:
– الحلم الإسرائيلي الذي تحقق منه الكثير ، عبر نبوءة النبي “حزقييل” لا يكتمل إلا بجعل مدينة القدس عاصمة الدولة الإسرائيلية، القومية أولا ثم الدينية تاليا، تمهيدا لبناء الهيكل بهدف تمكين اليهود مجددا ، من الإمساك بزمام التاريخ السياسي-الديني في المنطقة.
-تعرف الإدارة الأميركية أن هنالك ثلاث دول من حلفائها في المنطقة تمثل الأكثرية الإسلامية الراهنة فيها ، وهي مصروالسعودية وتركيا، وإن هذه الدول، إضافة إلى سورية الصامدة في مواجهة عملية تدميرها، هي التي تمتلك الغطاء التاريخي، في الدين وفي السياسة، لمدينة القدس من حيث إسلاميتها بعد فتحها من قبل المسلمين في عام/637 م/ الموافق /16/ للهجرة، وتعرف أيضا، أن هذه الدول ، في ظل انشغال سورية، إن عارضت جعل القدس الموحدة عاصمة لدولة(إسرائيل) تمهيدا لإعلان (دينية) الدولة، ستقطع بمعارضتها الطريق على تحقيق الوعد (الترامبي) بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، برغم الخلفية الجيوسياسية ذاعت الأبعاد الخطرة لهذه العملية . فما هي أوراق الضغط التي تملكها أميركا في مواجهة أي اعتراض من قبل أي دولة من تلك الدول؟
*المملكةالعربية السعودية:
لم يعد خافيا ذلك التنسيق السياسي-الأمني بين (إسرائيل) والمملكة، والمتكشف بعد (الربيع الأحمر العربي) وخاصة في سورية كأهم دولة لها تأثيرها الفاعل في المنطقة فيما يخص القضية الفلسطينية.فالمملكة تريد أن تتجنب تكرار ما حصل ويحصل في ليبيا وسورية مثلا، تلبية لشعارات تطالب بالحرية والديمقراطية، مطالبة دموية، عصبها الإرهاب الذي سوف لن يوفر بالتالي أحدا إذا ما ضربت مصالح أشخاصه؟! (نشاهد اليوم كيف أن الأحداث بدأت تهز المجتمع السعودي، من خلال عمليات التفجير ، والإشتباك والتفجيرالأخير في جدة خير مثال قريب)
-السعودية تعتمد في تعاونها الأمني على علاقاتها مع أميركا مستفيدة من وطأة ظلها السياسي على الجميع. أوليس الأمن الإسرائيلي هو محور بارز من محاور الأمن الأميركي؟ فمن هذا الباب، نرى أن المملكة حاضرة، في سبيل ضمان استمرارية مفتوحة لنظامها السياسي –الملكي، لدفع ثمن ذلك. فما هو الثمن الموازي يا ترى؟:
الثمن سيكون باتجاهين:
الأول: يكون بغض النظر عن خطوة (إسرائيل) الحثيثة لجعل القدس الموحدة عاصمة أبدية لها، ولا يكون ذلك إلا بإشهار سيف السلطة(والمصلحة) في وجه المشايخ والمفتين ومواليهم، وذلك قطعا لدابر أي تحريض (إسلامي) ضد التوجه الإسرائيلي.!
االثاني: سيكون بإيصال رسالة سياسية-إسلامية سعودية، إلى الرئيس″ترامب” تشعره بأنه لايزال للملكة اليد الطولى في التأثير على الأكثرية الإسلامية (معتدلها ومتطرفها!) من خلال المنظمات والروابط الإسلامية، كمنظة المؤتمر الإسلامي وغيرها مما تحتضنها عبر العالم، الأمر الذي يجعلها أكبر قوة يمكن أن تضمن بنسبة عالية الخطوة التنفيذية للوعد “الترامبي” بنقل سفارة أميركا إلى القدس. هنا، وفي حال استجابت أميركيا، ستكون الفائدة أمنية-اقتصادية كبيرة ومرجوة من قبل المملكة.فالأمنية: هي تقديم ضمانات قوية لنظامها السياسي، وانتشالها من الغرق في اليمن بصورة مقبولة، والإقتصادية: هي تجميد فكرة إجبار المملكة، وحليفاتها في مجلس التعاون، على دفع ثمن الحماية، منذ بداية نشوء نظمهم السياسية كما هي حتى اللحظة . هل ستقبل أميركا؟ عندما تقبل (إسرائيل) ستقبل أميركا، لأن القبولين يصبان في قناة تحقيق الوعد الأميركي وتثبيته، إذ بذلك يبلغ الحلم الإسرائيلي ذروته، بإعادة بناء الهيكل في قلب القدس أو في محيطها. كما يجعل ذلك القبول من الرئيس الأميركي “ترامب” الرئيس الصادق في وعوده الإنتخابية بخصوص نقل السفارة، خلاف من سبقه من الرؤساء الأميركيين.!
*مصر:
هناك اتفاقية كامب ديفيد، وهنالك خلاف مع بعض الوجه الإسلامي للمقاومة الفلسطينية المتمثل بحركة”حماس″ومن لف لفها. كما أن هنالك تناغم مع السلطة الفلسطينية التي لها علاقات أمنية تنسيقية واسعة مع (إسرائيل) تمكنت حتى الآن من وقف تطور انتفاضة السكاكين، والدهس، عند حدو الحد الأدنى من الخطر الذي يهدد العلاقة الفلسطينية-الإسرائيلية، حتى بدت الآن أنها في منتهى الهامشية على الجانب الفلسطيني بالنسبة للقضية الفلسطينية على وجه العموم؟! ولما كان الخلاف شديدا بين الإسلام السياسي (الأخوان المسلمون) وبين السلطة الحالية في مصر، سيكون بسببه، أي تحرك معارض وفاعل ،انطلاقا من مرتكزات إسلامية، لخطوة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، تحركا ضعيفا، وقد رأينا في الأصل كيف تعامل الإسلام السياسي إيجابيا مع (إسرائيل) وهو في قمة رأس السلطة المصرية في زمن الرئيس الإخواني”محمد مرسي” بخصوص العلاقة الثنائية، ومثلها ملف القضية الفلسطينية ؟! كيف تعامل تعاملا إيجابيا بالنسبة لـ(إسرائيل) فلم تتوجس منه شرا على مصالحها، ومنها جعل القدس عاصمتها الأبدية.
مصر الآن بحاجة إلى استقرار واستقرارها لا يحصل إلا إذا قضت على الإرهاب الذي يهددها من الشمال في سيناء ومن منطقة (الحدود) مع (إسرائيل). يقول الإسرائيليون أن هنالك تعاونا أمنيا مع مصر مفيدا لها في حربها على الإرهاب، وهنالك غض نظر عن بعض بنود اتفاق”كامب ديفيد” لأجل ذلك؟! ومصر لا تنكر ذلك، وتمارس نفوذها الميداني في سيناء، وتحارب الإرهاب الذي يتمدد باتجاه الداخل المصري..وهنا نعود إلى العلاقة الأميركية-المصرية، فنقول: بأنها سوف تتحسن في عهد الرئيس “ترامب” خاصة على مستوى الحرب على الإرهاب، على عكس ماجرت عليه سياسة الرئيس السابق”أوباما” وهنا يحين القول أن مصر سوف لن تعارض الخطوة ألأميركية الجديدة باتجاه القدس معارضة جدية، في حال وجود مشروع آخر للدولة الفلسطينية، غير مشروع الدولتين؟ وهذا ما يمكن أن يرشح عن الإدارة الأميركية الجديدة في وقته، ربما غير البعيد؟!
تركيا: لا داعي للإستفاضة هنا، فلقد أسقطت تركيا(الأخوان المسلمون) كل اعتراضاتها وتحفظاتها على سياسة (إسرائيل) وأعادت تمتين جسور الثقة السياسية معها، والمعتمدة منذ نشوء الدولة الإسرائلية ، مع الإضافت الضرورية باتجاه تدمير سورية، كعقبة يجب أن تزال من طريق الرؤية المشتركة، التركية-الإسرائيلية للحلول في المنطقة، على قاعدة جعل “القدس″ عاصمة (إسرائيل) كأهم عناصر تلك الرؤية بتقديري!؟ الثمن الذي تقبضه تركيا هو: تثبيت التحول إلى النظام السياسي الرئاسي، كمكافأة للر ئيس “أردوغان” على خدماته ضمن سياق مجريات (الربيع الأحمر العربي) وضد الدولة السورية على وجه الخصوص. وعين الثمن سيكون في كف ضغط الأكراد على تركيا، من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، والتي بحسب ما نميل إليه، سوف لن تكون متحمسة لهم كما الإدارة السابقة.
بالنتيجة لم تعد القدس مهمة بالنسبة للساسة الذين يتحكمون بالأكثرية الإسلامية، لاتحادهم و(إسرائيل) بمرجعية واحدة، هي أميركا، وليست أميركا فحسب، بل أميركا”ترامب” الذي أعلن أن أهم أولوياته هي: القضاء على الإرهاب(الإسلامي) وتنظيف الأرض منه. وهذا الأمر لا يكون إلا بالتعاون مع الحلفاء الذين ذكرت، والذين بدأت ناره تشتعل في أطراف أثوابهم..الأمر الذي يشكل قاعدة لترتيب الصفقات المؤدية إلى تنفيذ الوعدين “الترامبيين”الرئيسين:
1-نقل السفارة الأميركية إلى القدس
2-القضاء على الإرهاب(الإسلامي) على وجه الأرض
ولكن:
*كيف سيرضى الفلسطينيون بنقل السفارة؟ لنراقب ماذا جرى وسيجري في الأردن…العمل الإرهابي بدأ يفرض ظله، من حيث وجود بيئة مفترضة له، سيكون مؤثرا، خاصة في ظل وجود اللاجئين السوريين المكلف، وانقطاع التمويل الخليجي للأردن..وكأنما المقصود انهيار الأردن، بعد تحقيق الغاية المضمرة من وجوده ابتداء.. في السياسة:عدم الإصطدام مع(إسرائيل) وفي الجغرافيا: تشكيل حاجز جغرافي بين(إسرائيل) والدول التي يحكمها نفس قومي، كالعراق، وديني كالسعودية، ما كان يعتبر تهديدا لنشأة (إسرائيل) وتثبيت وجودها، إضافة إلى سورية في الجوار، والتي لم تغير موقفها القومي يوما من القضية الفلسطينية.
(إنهيار الأردن= الوطن الفلسطيني البديل):
قبل الإسهاب أشير إلى مساع أردنية هدفت في السياسة إلى تطويق، أو قل خنق فكرة الوطن البديل، كانت قد تمثلت في مشروع المملكة المتحدة( نظام فدرالي) يجمع الأردنيين والفلسطينين، والذي صيغ بأيد أردنية في عام 1972م، وفي “اتفاق عمان” لعام 1985م مع منظمة التحرير الفلسطينية، والذي نص في أحد مبادئه على: “حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في إطار اتحاد كونفدرالي مع الأردن” إلا أن هذه المساعي لم تخرج إلى حيز التنفيذ؟!!
نعم، وفي ظل المعطيات السياسية الراهنة، يمكن القول: لقد آن أوان البدء، من وجهة نظر (إسرائيل) بالخطوات التنفيذية الأولى على طريق قيام الوطن الفلسطيني البديل، في ظل الآوضاع العربية-الإسلامية الراهنة، وهو ما وجدت فيها (إسرائيل) الفرصة الذهبية، التي ربما لن تتكرر، لتتخلص من:
– قيام الدولة الفلسطينة(حل الدولتين) على أرض لها بموجب أحلامها التوراتية..في الضفة الغربية والجولان وبعض جنوب لبنان..وتحويل الأنظار إلى مشروع الوطن البديل في الأردن بأكثريته الفلسطينية.؟!
– من القلق الوجودي عبر تثبيت أركان دولتها الدينية، وعد الإدارة الأميركية المؤكد عليه أميركيا بعد أن قدمه أولا الرئيس الأميركي الأسبق”جورج بوش الإبن”.
يستشعر ،حتى الناس البسطاء، ماذا يجري بخصوص القضية الفلسطينية، وهاهو قاضي قضاة الأردن يدق جرس الخطر على مسامع قادة دول الخليج، ويعتبر أن الأردن لا زال صالحا لحجب الأخطار عن تلك الدول عند حدوده، إذا ما مُدّ عصبه المالي بما يكفي لصموده وإلا..؟!
فهل ستستجيب دول الخليج؟ أم ستذهب بعيدا في التغاضي عن انهيار الأردن، ليحل به ما حل بسورية؟ وهل بالنتيجة كما قال ، سيكون المستفيد واحدا هم “اليهود” وهذا إن حدث سيكفي وحده لتسارع خطوات (الوطن الفلسطيني البديل)، فتكون القدس عاصمة(إسرائيل) بعد تحقق الوعد الأميركي بنقل السفارة إليها، كخطوة ستتبعها دول كثيرة..ما يشي بأن القدس بهويتها السياسية-الدينية ستكون الثمن الذي ستدفعه دول حليفة لأميركا مقابل الإحتفاظ بأنظمتها السياسية كما هي؟ هذا الأمر يستدعى تساؤلا: هل دُفعت أرض فلسطين في الماضي ثمنا لبقاء أنظمة سياسية عربية وإسلامية بعينها إلى يومنا هذا؟
فلنراقب ماذا يجري وسيجري في الأردن….
علي الدربولي
كاتب سوري