عام 2009 قام جدل بين رأيين، أحدهما دعا لحل جامعة الدول العربية، محتجا بكونها لم تعد أكثر من هيكل ضخم بيروقراطي، يستنزف خزائن الشعوب، و ينفخ جيوب أغلب متقاعدي النظام المصري، و الحقيقة أني طالعت كتابين لشخصيتين كانتا تشغلان مهام سامية، تسمح لهما بالاطلاع على دقائق و تفاصيل ما يجري في تلكم الجثة المتعفنة فسادا، إحداهما من سوريا و الثانية من الامارات العربية. و ما أوردتاه من حقائق يعزز طرح ضرورة حل هذا الهيكل مادام في حالة تحلّل؛ في حين عارض هذا الرأي آخرون، بحجة أن هذا ما تبقى من هيكل يجمع قادة العرب، و لا يمكن هدم الشيء الوحيد الذي يظهر للعالم أنه جامع للأمة العربية؛ ما أثار الرأيين و غيرهما هو عجز هذه الجامعة بشكل مقزز و مهين أمام العدوان الهمجي على قطاع غزة عامها، و ذلكم التخبط المذل الذي ظهر على رموزها حيال “قمة غزة”، الذين اجتهد اغلبهم لحجب الأصوات حتى لا ترقى لـ “قمة غزة”، و أذكر أيامها كلمة وزير خارجية مصر حينها أحمد أبو الغيط (أمين الجامعة حاليا) التي قالها بتحد غير معهود، و لهجة تبطن تهديدا لم نعرفه في مواجهة العدو: “لما تئول (تقول) مصر لأ (لا) يعني لأ”. و مازلت أذكر أنهم فعلا “نجحوا” في إجهاض قمة غزة، بتعلة القرب الزمني لقمة الكويت، و توعد قادة الخليج باصدار بيان فيصل و خطير ضد كيان العدو الاسرائيلي، الذي جاءت خلاصته في الجملة الشهيرة التي أطلقها عاهل السعودية:” مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة الى الأبد، سنسحبها و ندفنها و نصب عليها طنا من الاسمنت”. لا أخفي أني لحظة سمعت تصريحه تمنيت في نفسي لو لم يصدره، ليقيني ساعتها بأنه قد يسبق هو نفسه المبادرة الى القبر، و هذا ما حدث بالفعل.
انتقل هذا الهيكل (جامعة الدول العربية) من حالة العجز الكلي عام 2009، الى حالة أخرى عام 2011؛ و دون مراجعة التواريخ و التفاصيل، فقد شكّل أداة قوية و فاعلة و مشرعنة لتدمير ثلاثة دول عربية على الأقل، بدأت بليبيا و انتقلت بسرعة الى سوريا ثم الى اليمن كحلقة لمسلسل تخريب و إجرام لا نعرف نهايته.
نعم هذا الهيكل المختطف من قبل أنظمة عربية بعينها، هو المسؤول الأول، و هو الغطاء “اللاشرعي” و “اللاقانوني” و “اللاإنساني” و “اللاأخلاقي”، لكل هذه العواصف العمياء التي تضرب أنظمة و شعوبا عربية بعينها، نقولها بكل صراحة و وضوح، و أسجل أن الكاتب كان عام 2009 من دعاة حل هذه الهيئة التي باتت وصمة عار في جبين الأمة، و معول تخريب و دمار في أيادي أعدائها؛ و لمن أصابت عينيه غشاوة، فليراجع مواقفها البطولية الصادمة في بداية أزمة ليبيا، و يقارنها بمواقفها حيال العدوان الاسرائيلي الأخير عام 2014؛ سيرى حتما الهوة السحيقة، و يقف على الدور الحقيقي الذي باتت تلعبه هذه المُفرّقة.
لن أطيل عنكم: إن عدد سكان الدول العربية التي تعترض على اختطاف قرار جامعة الدول العربية، يشكل على أقل تقدير ثلثي مجموع مواطني العالم العربي؛ هذه النسبة التي تلامس 70% تعرضت شعوبا و أنظمة و دولا لضرر بالغ، بشكل مباشر او غير مباشر، تسببت فيه قيادات شعوب بتحفظ شديد نقول أنها تمثل الثلث من مجموع مواطني العالم العربي؛ بعد اغتصاب قرار جامعة الدول العربية، و توظيفه لتطبيق مخططات المحور الامريكوصهيوني.
و هنا لابد من التساؤل: متى ترى الجزائر و مصر و تونس و موريتانيا و العراق و سوريا و لبنان و و سلطنة عمان، و غيرها من الدول و الشعوب، ضرورة سحب صفة “التمثيل العربي”، من شيوخ قبائل يتخذون قرارات بنزوات غرائزية، لا علاقة لها بمصلحة العالم العربي، بل تعمل على إلحاق أكبر و أخطر الكوارث به، في حين أنها هي تتنعم بحماية عسكرية و أمنية أمريكية؟؟؟.
إذا كنا قد سلّمنا عام 2009 بعذر “العجز″ عن الدفاع على شعب عربي أعزل، أفيستقيم اليوم أن نسلّم ثانية بالهجوم الهمجي غير المسؤول على دول و شعوب عربية، مستعينين بحلف الناتو و كل مرتزقة العالم؟؟؟ كيف يعقل ذلك؟؟؟.
لم تعد هذه الجامعة عاجزة فحسب، بل قناة و أداة لخراب العالم العربي، و ليتأكد من لم يصله الدور، بأنه قادم عليه في حلقات قادمة، ما لم تسترد شرعية التمثيل، بناء على عدد السكان و ليس على عدد المحميات، و إن غدا لناظره لقريب.
اسماعيل القاسمي الحسني