نعيش في موريتانيا وضعًا صعبًا، بعيدًا مما نريد من إصلاح جاد استعجالي، يتلخص في تعميق حالة الأسلمة وتكريس العدل الشامل، بسبب عوامل عدة.
أهمها تآمر المؤسسة العسكرية على الشأن العام وبراغماتية الطبقة السياسية بحميع مشاربها تقريبًا، سواءًا الموالاة أو المعارضة.
وفي هذا الجو قد تضيع تدريجيًا القلة الواعية المنافحة من أجل الانعتاق من الحكم العسكري الانقلابي، المغلف بشعارات استهلاكية بامتياز.
أجل قد يتغلب التيار الفاسد على دعاة الإصلاح، ليكون التهميش لا قدر الله، مصير صحوة الضمير، وحظنا السلبي من التغيير السلمي نحو الأفضل.
سيكتبُ التاريخ يومًا، كانت هناك في موريتانيا دولة فاسدة بمستويات قياسية مثيرة، ومحل مباركة من الفاسدين والطامعين، والضعفاء وعديمي الوعي، في حين مثل دعاة الإصلاح نغمة ونبرة صوتية، لم تستطع النفاذ بسرعة، بسبب ضعف الشعب، وعيًا وممارسةً، وبسبب قوة تمسك الجيش بالسلطة منذ سنة 1978، للرغبة الشديدة في الجاه والمنافع.
ومن وجه آخر مرضت حتى المعارضة، ومستها العدوى من قريب، وربما بجميع مسمياتها الراديكالية و "المعاهدة"، ولم تتمكن من رسم حتى خارطة طريق، للخروج من عنق الزجاجة، وظلت أسيرة ردة الفعل، ليسهل ابتزاز المتغلبين العسكر ومافياهم من المدنيين للشأن العام الوطني، وبأبشع الصور والأشكال، في حين ظلت صحافة الأمر الواقع، سواءًا الرسمية أو جزء كبير من المستقلة إسمًا، تطبل وتبارك غالبًا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة أحيانًا، مما سمح للفساد السياسي والاجتماعي بأن يعشعش ويترسخ، وكل ما اخلولق شعار أو أسلوب للإلهاء أو التغطية الخسيسة الغادرة، سكت طبقة المتآمرين على الحق، شعارًا جديدًا وأسلوبًا مطورًا، ليؤدي مفعوله بسهولة، في تخدير جسم مخدر بامتياز في الأصل، أو يكادُ يكونُ ميتًا.
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًا***ولكن لا حياة لمن تُنادي
إن واقعنا يستحق العناية المركزة والجد والنضال بصرامة وحكمة، من أجل التغيير السلمي الجذري نحو أفق جديد بإذن الله، يُعيدُ العسكر لدورهم المناسب، ويرفع منسوب الالتزام بالإسلام وعدالته الرائدة النموذجية لمستوى مقبول.
إن هذه المؤسسة العسكرية، في جانبها الانقلابي، وهو الغالب المهيمن للأسف، عدوة لحرية هذا الشعب واستقلالية اختياره، لمن يحكمه وكيف يحكمه، كما أن ساستنا الموالون والمعارضون على السواء، فاشلون، وأغلبهم ميالون لشخصنة الأمر العمومي، أو بعبارة أُخرى، مرضى بالجهوية أو العرقية أو الشرائحية أو القبلية أحيانًا، ولا يمثلون لدى الكثيرين أمل الإنقاذ باختصار.
هذه الطبقة السياسية هي الأُخرى مريضة بصراحة، وفي العمق، لأسباب كثيرة، ليس هذا المقام هو الأنسب لتفصيلها، فعامل الوقت وكثرة النزاعات وضبابية الرؤية والأغراض الضيقة وكون هذه الساحة المعارضة بالذات أضحت مكبة نفايات الأنظمة المتعاقبة، كل هذا وغيره أضعف مستوى الأداء حتى لدى المعارضين، وفاقد الشيء لا يُعطيه، أما الموالون فمعاناتهم وعدم مصداقيتهم أبلج وأبين أحيانًا، لأنهم اختاروا السلامة لصالح ذواتهم وعلى حساب الصالح العام، عبر ترجيحهم لكفة اللامبالاة والركون للباطل وسوء تسيير الشأن العمومي.
ويبقى الأمل إن شاء الله في بعض أجنحة المعارضة الراديكالية، والأجيال الصاعدة منها بشكل خاص والطبقة المتوسطة من الموريتانيين عمومًا، لعل وعسى، أن تُخرج أرضيتنا الوطنية المتململة، من رحمها العجيب المتنوع، من يُصلح هذا الأمر، على منحى جماعي، وليس على منحى الزعيم الفرد المُنقذ.
فذلك عهد ولى، ولا خلاص إلا بالتعاون والتشاور، ورسم الخطط الواسعة المتئدة المتعقلة بإذن الله.
ومع الإصرار وعدم الإستسلام لجيش انقلابي، أو تجار شرهين أنانيين وحشيين مرابين، أو دعاة ثقافة، موالين مصفقين طماع مدجنين، أو غيرهم، ستتعززُ على الأصح حتمًا ولو تدريجيًا بإذن الله، فئة واعية مسالمة حازمة، تدركُ وتعي، أهدافها النبيلة الوطنية الجامعة المنصفة.
ومع مرور الوقت سينزاحُ عن موريتانيا بإذن الله، حجاب الاستبداد والاستحواذ المؤذي، كما حصل في بلدان أخرى، بعضها قريب مجاور، وسينتصر يومًا بإذن الله مشروع الإصلاح والعدل، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك، وما ضاع حق وراءه مطالب.
رغم بُعد الهوة الحالية، وتنوع العقبات والعراقيل دون مقصد حُسن تسيير الشأن العمومي، ولكن الحياة ألم يخفيه أمل، وأمل يُحققه عمل بإذن الله.
فالوطن الوطن معشر الشباب، والتمسك بالأمل معشر دُعاة الإصلاح، وليكن المنهاج الإسلامي درب تغييركم المنشود المريح، ومحجتكم البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
عبد الفتاح ولد اعبيدنا