منذ عام أو يزيد كتبت هنا مقالا دعوت فيه مصر و الجزائر، للتدخل المباشر و العاجل لإنقاذ ليبيا، تدخلا مبنيا على تفاهم فيما بين البلدين و تعاون أمين، مؤسس على ضرورة الاعتراف بواقع لا يمكن المكابرة بشأنه، و لا يعقل إنكاره، خلاصته هي أن كل الذين ساهموا في خراب ليبيا و دمار بنيتها و تقتيل و تشريد شعبها، و نهب ثرواتها و سرقة خيراتها، و تحويلها لدولة فاشلة بامتياز، جميعهم عربا و غربا، لا يطال أيا منهم مثقال ذرة ضرر؛ و أن تبعات هذه الجريمة بحق شعب عربي أصيل، ستقع فقط على دول الجوار، مصر و الجزائر و تونس؛ أخيرا على ما يبدو بدأ الجانبان يعملان بجد و واقعية للوصول الى حل، يخرج الشعب الليبي من المصيبة التي تسبب له فيها أشقاء عربا، كان محركهم الوحيد هو نزعة الانتقام الشخصي، المترسبة في نفس بدائية الإدراك. و إن تأخرت الجزائر و مصر كثيرا لتدارك الأمر، غير أنني أثمن المسعى الأخير بمعية تونس، و أدعو القيادات الثلاثة الى قطع الطريق على كل من تسببوا في هذه الكارثة الإنسانية، أمام كل الاجتماعات التي تتناول الملف الليبي.
و إن كانت ليبيا تعني بشكل مباشر الأمن القومي لبلدان شمال إفريقيا، فإن سوريا لا تقل أهمية و خطرا في قيمتها عن ليبيا، و تعني بدرجة أكثر الأمن القومي العربي و الإسلامي؛ و واقع الحال اليوم أن الدول المركزية العربية المُعَوّل عليها، و هي العراق و سوريا و مصر و الجزائر، لأسباب تاريخية و جغرافية و ديمغرافية، و دونها لن تقوم للأمتين قائمة، باتت مهددة في وجودها، و لا حاجة للتذكير بواقع العراق اليوم دولة و شعبا، بعد أن سُلم أمره لقيادات عربية صغيرة الكيان حديثة النشأة مازالت في طور الحضانة، و التغافل عن عبثها الصبياني حيال الأمن القومي العربي و الإسلامي، غرّها لأن تمضي كأداة طيّعة في يد الغرب، لضرب الدول العربية المركزية، و انتقلت إلى الساحة السورية كمعول يقوض بنيانها، و يهدم أركانها و يستنزف قوتها.
لقد تم تمزيق العراق عمليا، و تصفية جيشه و نهب ثرواته و احتلال قراره السيادي، و لابد من مواجهة الواقع كما هو، بالقول أن سوريا اليوم باتت مهددة بشكل جدي كذلك، فلا جيشها بقي القوة الوحيدة الرئيسية على أرضها، و لا جغرافيتها ظلت بمجملها تحت سلطة الدولة، فضلا عن نهب ثرواتها و تخريب بنيتها التحتية، و استنزاف طاقاتها و مقدراتها، و تركها وحيدة في مواجهة هذه الحرب الإجرامية لن ينتهي بها إلا لحالة دولة مفككة عاجزة هي كذلك؛ و لو راجعت مصر و الجزائر تاريخهما المعاصر، لوقفت قيادتهما على حقيقة مفادها أن العراق و سوريا، كانتا رافعتين مهمتين لقيامتهما، و سندا بالغ الأثر في موازين القوى لمواجهة العدو الخارجي، و لا يستقيم في عقل منصف أن يلغي دورهما في أي مواجهة مستقبلية حتمية الوقوع.
كما لابد من القول أن القوى العظمى هي التي يعود لها الأمر، في تسطير الواقع الدولي، و هما الولايات المتحدة و روسيا، و هنا نجد مصر تملك الثقل الكافي للتأثير على السياسة الأمريكية، يقابله قدرة الجزائر على التأثير في القرار الروسي، و متى وضع لهما حد و خط أحمر توقفت أصابعهما عن العبث بالأمن القومي العربي.
لا توجد دولة تفكر جديا و فعليا في استخدام القنبلة النووية و إن كانت تملكها، غير أن امتلاكها و التلويح باستخدامها، يشكل ورقة ضغط فاعلة في تحديد و رسم الحدود الجيو- استراتيجية، و هنا نجد مصر و الجزائر تملكان ورقة لعلها أكثر أهمية و خطرا من القنبلة النووية، فالأولى تضع يدها على الممر الوحيد الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، و الجزائر يدخل ضمن قوتها الممر الغربي الوحيد لهذا البحر، الذي يؤمن 70% من التجارة العالمية؛ و ليس بالضرورة أن تقوما الدولتان العربيتان بتهديده، و إنما يكفي التلويح جديا و من موقع القوة و الثقة بما تملكان، ليعي العالم و على رأسه الولايات المتحدة و روسيا، بأننا لن نقبل بسياسة الاستفراد بالقرار الذي يهدد الأمن القومي العربي، و لن نسمح بالاستمرار في تدمير الدول العربية الواحدة تلو الأخرى. و متى لمست القوى العظمى جدية في هذا التحدي، ستقف على أحد الخيارين، إما مواجهة مباشرة مع العالم الإسلامي كله، و هذا خيار مستبعد لكلفته العالية و الباهظة، و إما أن تكفا عن عمليات التخريب و التدمير، و هو الخيار الأسلم للعالم، و الأقرب للواقعية و السياسة البرغماتية التي ينتهجها.
ختاما، أرى من الواجب تذكير مصر و الجزائر بأمرين:
الأول: أن مصر في مواجهتها مع العدو خاصة عامي 67 و 73 ، من كان ظهيرها القوي و الرئيسي هو الجزائر و العراق و سوريا، و قطعا و يقينا ليست الدويلات العربية التي تعبث الآن بالقرار العربي و أمنه القومي؛ و كذلك بالنسبة للجزائر، ففي ثورتها المجيدة 1954، لم يكن سندها القوي سوى العراق و مصر و سوريا في مشرقنا.
الثاني: أن مواجهة العالم العربي مع الغرب مفتوحة و لن تنتهي أبدا، و ها نحن نرى بعد أن تحررت الدول العربية في القرن الماضي من احتلاله، يعود بطرق اخرى ليضع أقدامه في أخطر و أهم الدول العربية، و سقوط العراق جلب بشكل مباشر و آلي تهديد سوريا (راجع محضر لقاء كولن باول بالرئيس الأسد 2003). ما يعني حتما بأن سقوط سوريا -لاقدر الله- يجلب اوتوماتيكيا استهداف مصر و من بعدها الجزائر، هذا تقدير لا تخطئه عين بصير.
و عليه أرى أن تبادر القيادتان و بشكل عاجل بالموازاة مع ما تقدم ذكره، إلى دعوة كل السوريين لمؤتمر يعقد في دمشق العروبة، مؤتمر يضع حدا نهائيا و فاصلا للتدخل الخارجي و لعبث الدويلات العربية، تقوم فيه مصر و الجزائر بمساعدة الأشقاء السوريين على تجاوز خلافاتهم تحت قبة وطنهم و في عاصمتهم الشامخة، و تذليل العقبات و رأب الصدوع، و إمداد الدولة السورية بكل ما يلزمها من عناصر القوة و التمكين للخروج من محنتها؛ و اعتبار كل من يعارض ذلك مارقا، يعمل لصالح عدو خارجي أيا كانت عباءته و إن تعلق بأستار الكعبة.
قد يبدو للبعض أن هذا الطرح طوباوي، و نرد عليه بالسؤال: أترى طبيعيا أن يلتقي السوريون في جنييف و في استانا و غيرهما، و خياليا لقاؤهم في دمشق؟ أي شيء يمنع تحت مظلة مصر و الجزائر، و لم تمنعه مظلة ما يسمى توهما هيئة الأمم المتحدة؟؟
اسماعيل القاسمي الحسني