الخميسُ الماضي نزل أول أمر مكتوب اتخذه الرئيس الأمريكي المنصَّب حديثا دونالد ترامب. كأننا نشاهد فيلما من أفلام الوستيرن الرديئة، أمر العم دونالد بتشييد “سور الهجرة العظيم” بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع تسلل أولئك المكسيكيين، الذين نعتهم بأقدح النعوت خلال حملته الانتخابية، إلى التراب الأمريكي. حسنا، طريقة حديث الرئيس الأمريكي عن ذلك الإنجاز العظيم تذكِّر بمهرج متغطرس دخل خطأ إلى فيلم وستيرن وتقمص دور البطل الذي لا يترك وراءه سوى جثث “الأشرار” والدخان وغبار حصانه العتيد.
لم يكتف بالأمر الكتابي ببناء السور بل صرح بأن المكسيك ستدفع كذلك تكاليف بنائه. وبأي طريقة، ومهما كلف الأمر ستدفع الثمن (مسلسل مكسيكي هذه المرة)، لأن رئيس المكسيك السيد “بينيا” أعلن بأن دولته لن تدفع مقابل بناء ذلك السور. وجاء رد البيت الأبيض فوريا: “ستدفعون بطريقة أو أخرى”!
ترون كيف بدأت الديبلوماسية والمفاوضات في عهد السيد ترامب، بناء الأسوار وتهجير اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية التي لم تتوان الولايات المتحدة بتواطؤ حلفائها الطوعيين والمرغَمين على تفقيرها وإشعال الفتنة فيها وتدميرها منذ زمان. ولا أحد له الحق في مناقشة الأمر ولا حتى في التعليق، كأن سيادة الدول مفهوم لم يعد صالحاً في هذا العهد الجديد، والديمقراطية في أي دولة ستصبح مختصرة في اختيار الأنسب لخدمة العم دونالد، وليس في انتخاب الأولى بخدمة المصالح الوطنية والدفاع عن سيادة الأمة.
على الأقل، صارت المؤشرات واضحة وتنذر بأحداث ومواقف غير مسبوقة فيما يأتي من الأيام والسنوات. وقد تقلب مفاهيم السياسة والعلاقات الدولية رأساً على عقب، وربما سنشهد “سْكوبات” في هذا المجال ستنقلنا إلى مستقبل الخيال العلمي الخاص بشخصية “بيغ برادر” (Big Brother) أو تعيدنا إلى أيام “الوستيرن” الخوالي.
مؤشرات أحس ب”صهدها” الرئيس الكوبي الذي صرح بأنه يتمنى مفاوضات “محترمة” مع الولايات المتحدة الأمريكية، فخِبرته جعلته يدرك حتما أن المسائل ستكون “غير محترمة” على الإطلاق من الآن فصاعداً.
أما المتفرجون أمثالنا، فسيكون لنا بالتأكيد ما نتفرج عليه سواء بعيدا عنا أو قريبا منا. وقد ننهض من فرجتنا السباتية (من السُّبات) وسور الهجرة العظيم على أعتابنا، وحائط المبكى أصبح في عاصمة للكيان الإسرائيلي اسمها “القدس″. آنذاك لن تكفي حيطاننا التاريخية (التي لا يخجل بعض سُفهائنا من التبول عليها) لكي نبكي عليها، ولن ينفعنا لا البكاء على الأطلال ولا التأسي على ما فات.
ما قد يجدي هو ما نفعله أو على الأقل ما نقوله اليوم، ولسنا وحدنا في ذلك: أن نطلب “السلة بلا عنب”… نريد فقط “الاحترام”، احترام سيادة الدول، احترام حضارات إنسانية صنعت تاريخ البشرية، احترام قوانين الديبلوماسية الدولية، احترام قواعد الحرب والسلم. باختصار، احترام كرامتنا الفردية والجماعية باعتبارنا ركابا في نفس السفينة. أكيد أننا لسنا من ركاب الدرجة الممتازة، وقد نكون ركابا سريين حتى، لكننا لسنا في سفينة نوح بل الأرجح على متن “تيتانيك”، فعلى الأقل نرجو معاملتنا بالاحترام الواجب تجاه أي إنسان.