الإدانات تشجع الاستيطان | صحيفة السفير

الإدانات تشجع الاستيطان

جمعة, 03/02/2017 - 12:03

إسرائيل تصادر الأرض وتبني البيوت ونحن نحمل رزمة أوراق لنلهث وراءها بالإدانات والاستنكارات، ونحمل رزم أوراق نقدية لنشتري تذاكر الطائرات باحثين عن منقذ لنا في أرجاء العالم. وبهذا نقهرهم: هم يبنون بيوتا صغيرة لإيواء الأسر والعائلات، ونحن ننام في فنادق خمس نجوم. نحن الأرقى ونحن الأكثر حضارة وعلما ومعرفة. هم يوفرون الأموال ويمنعون عن أنفسهم الشهوات، ونحن نبذر ونسرف ونفرط في شهواتنا وغياب ضميرنا الوطني.

على مدى كل هذه السنوات الطويلة قبل قيام إسرائيل وبعد قيامها ونحن نلقي الخطابات الرنانة ونطلق العنان للتصريحات السخيفة والتافهة دون أن نقوم بالخطوات العملية لإنقاذ أرضنا وإنقاذ أنفسنا. قبل عام 1948، باعت أغلب قيادات فلسطين الإقطاعية الأراضي للصهاينة، وساهمنا بقوة ببناء المستوطنات كأيدي عاملة، وتآمرنا على الفلاحين واستغل الأثرياء منا شقاءهم وفقرهم لابتياع أراضيهم وتسريبها فيما بعد. وبعد عام 1967، لم نتق الله بأنفسنا وأبناء شعبنا. كانت تأتي الأموال إلى الضفة الغربية وغزة ولم يستفد منها الفقراء إلا النزر اليسير. كان من المفروض أن ترصد أموال اللجنة المشتركة لدعم الفلاحين والعمال ماليا ليتمكنوا من بناء بيوت بصورة أفقية، وأنا أتحدى إن كان هناك عامل واحد في الضفة والقطاع قد حصل على قرض بأربعة آلاف دينار ليبني بيتا صغيرا مكونا من غرفتين ومطبخ وصالة. أين ذهبت الأموال؟ وأين هي أموال السلطة الآن؟ كل ما نراه مزيدا من الضرائب على الناس، ومزيدا من رسوم المعاملات. مفهود أن السلطة تريد تحصيل الأموال لدفع الرواتب، لكن السؤال: ما الذي أجبركم على إقامة سلطة وأنتم تعلمون أن مصادر التمويل بأيدي الأعداء وليس بأيدينا؟ وما الذي أجبركم على توظيف هذا الكم الهائل من الموظفين وأنتم لا تتمكنون من دفع الرواتب؟ وألا تعلمون أن الذي يعتمد على عدوه في التمويل لا يريد إرادة سياسية حرة، ولا يريد وطنا أو دولة أو حتى خربوشة على قمة جبل؟

هل تريدون وقف الاستيطان؟ إذا كان الجواب بنعم فعلينا أولا أن نتخلص من الاعتراف بإسرائيل، ومن كل التبعات التي ترتبت على ذلك منذ اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988. لقد أتى الاعتراف بإسرائيل وتوقيع أوسلو علينا بالمصائب والويلات والورطات والانقسامات والاقتتال والمزيد من الاستيطان والغطرسة الصهيونية. ألم يحن الوقت لمراجعة أنفسنا والاعتراف بالخطايا الوطنية؟ أو علينا الانتظار إلى أن ينتهي الأمر بنا جميعا خارج ديارنا ووطنا وأملاكنا وجبالنا وودياننا وسهولنا وأزثتنا وحوارينا؟ إلى متى؟ لو كنتم تعرفون الله لناشدتكم باسمه، لكنكم تصرون على عمل الموبقات والاستمرار في غيكم.

الأمر الثاني الذي يجب أن نفعله خاص بالأراضي. أنا أعلم أنكم سلمتم أمر الأراضي لإسرائيل وأكون مجنونا إذا كنت أظن أنكم أحرار في التصرف بالأراضي حتى في المناطق المصنفة “أ”، لكن بالإمكان التمرد والعمل فورا على تسجيل الأراضي وإفرازها ليتمكن كل شخص من التصرف بما يملك. ويجب السماح للناس بالبناء على أي مساحة من الأرض بدون تقييدات، ويجب تشجيعهم على الانتشار. أي يجب إلغاء مسألة الخمس دونومات، ويجب تخفيض رسوم تسجيل الأراضي وإفرازها إلى ما يقرب الصفر. بل يجب توجيه الدعم المالي الخارجي نحو دعم البناء والتعمير. ويجب تشجيع الزراعة بعد ذلك واتخاذ إجراءات ضد كل من لا يستغل أرضه. نحن لا نعدم الوسائل العملية لمواجهة الاستيطان بخاصة إذا تخلصنا من التزاماتنا الأمنية تجاه المستوطنين وإسرائيل عموما. ولكن هذا يتطلب تغييرا سياسيا جذريا لأن القيادة القائمة الآن والتي هي غير شرعية لا تصلح وهي التي ورطتنا حتى أذنينا بالمصائب والهموم.

ولا تستنكروا نرجوكم لأن الاستنكار يحمل رسالتين لا نريدهما: الرسالة الأولى لإسرائيل وهي تقول لهم اصنعوا ما تريدون فنحن لا نقدر إلا على الاستنكار والاستهجان والتنديد والوعيد والتهديد. أي نقول لهم اطمئنوا واستوطنوا وأنتم على يقين. والرسالة الثانية للشعب الفلسطيني وهي تقول إننا لا نستحق الحياة لأننا شعب عاجز قعيد لا حول لنا ولا قوة، وعلى كل من يرى في نفسه القوة أن يوفرها لنفسه لا أن يستعملها حيث لا تستطيع أن تصفق لوحدها.

عبد الستار قاسم