عاد الإعلام الخليجي، والسعودي على وجه التحديد إلى تركيز هجماته تحديداً على الجمهورية الإسلامية، بل بدأ يُروّج لاحتماليات توجيه ضربة عسكرية لإيران بناءً على مشروع قرار كان تم تقديمه في الكونغرس الأمريكي، على أساس تقدّم الوجوه “المُعادية” بدورها للجمهورية الإيرانية، وتبنيها فكرة إسقاط النظام الإيراني أو روح صرخة “الثورة الخمينية” كما وصفتها إحدى القنوات الخليجية.
العربية السعودية ترى، ومن خلفها بعض دول الخليج التي بدأت تنتشي على ألحان عزف أمريكا المُنفرد، وترى في تجربة إيران الصاروخية الباليستية، وزعم قابليتها حمل رؤوس نووية رغم النفي الإيراني الرسمي، والتي حذّرتها الولايات المتحدة على إثرها رسمياً، اليوم تراها السعودية حُجّتها مع التحذير الأمريكي، للانقضاض سريعاً على خصمها اللدود “الشيطان الإيراني” الذي يتمدّد في الشرق الأوسط على حساب مصالحها كما تقول بلاد الحرمين، وكذلك الحُلفاء.
لا نعلم حقيقةً ما هو الثمن المطلوب هذه المرّة من دول الخليج، لقاء خدمات أمريكية تشفي غليل السعودية نهائياً من إيران، لكن ربّما ذلك التأييد العلني أو “الدلال” الرسمي الذي حظي به قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دولتين منهما بمنع دخول 7 دول إسلامية معظمها عربية إلى الولايات المتحدة، حيث وصفتا القرار بالسيادي، الذي يضمن سلامة الشعب الأمريكي، واعتبروه ليس مُوجّهاً ضد منطقة بعينها، واحد من الأثمان الذي ضرب بروح أُخوّة الإسلام عرض الحائط!
الدول الخليجية تلقّت ذات يوم صفعة إنجاز “الاتفاق النووي”، الذي يصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى هذا اليوم “بالفاشل”، ويبدو فيما يبدو أنها تتفق معه تماماً في ذلك التوصيف، لكن الذي لم تحسب حسابه مجدداً، أنها ربما تتعرض للخيانة مرّة أخرى من حليفها الأمريكي، فمن أقدم على مفاجأتها يوماً ما بإنجاز الاتفاق مع إيران حول مُعضلة “النووي”، قد يُكبّدها خسائر عقد الآمال مُجدداً على مساهمته في إسقاطه (النظام الإيراني)، ودعواته لإتمام صفقات بالملايين، وشراء السلاح الأمريكي، حتى لو تغيّرت الإدارات الأمريكية، وحل “الأشقر” مكان “الأسمر”، هذه الثروات الخليجية يجب أن تتبخّر، بغض النظر عن طريقة تبخيرها، فحذاري من الخديعة مُجدّداً.
نحن لا نستبعد أن يكون هناك توجّهاً أمريكياً فعلياً، ينحو باتجاه إسقاط النظام الإيراني، رغم الصعوبات القانونية، وعدم خروج إيران عن بنود الاتفاق النووي، خاصّة أن ترامب، وأعضاء إدارته الجديدة، من الكارهين لإيران، والرافضين لاتفاقها النووي، والداعين إلى كبح جماحها في المنطقة، لكن الذي نستبعده أن يُقدّم ترامب خدماته هذه، كُرمى عيون المصالح الخليجية، فهذا الرجل كان طالب السعودية تحديداً، بالدفع مُقابل الحماية الأمريكية، وهذا الدفع للحماية ليس بالضرورة أن يتم بشكلٍ مباشر، ودعونا ألا ننسى أن ترامب أيضاً صاحب شعار “أمريكا أولاً”، والذي أطلقه في خطاب تنصيبه.
النظام الإيراني ومن خلفه روسيا التي تدعمه في مجلس الأمن، والتي رأت أن التجارب الصاروخية من حقّه المشروع، عوّدنا دائماً أن يكون في قمة الدبلوماسية حين يحتاج الأمر، وعوّدنا أيضاً أن يحفظ كرامته على عكس الأنظمة العربية، ويرد مباشرة على القرارات التي تمسها كما فعل في الرد على قرار ترامب الذي منع دخول مواطنيه لأمريكا بالمِثل.
إيران اليوم أقوى مما كانت عليه، ولا بد برأينا على من يُفكّرون بإسقاطها التفكير مليّاً قبل الإقدام على تلك الخطوة المحفوفة بالمخاطر، مظاهر العداء لأمريكا تعود اليوم في مطار العاصمة طهران، العلم الأمريكي على أرض أحد حواجز تفتيش مطار مهر آباد، ويعلوه كذلك العلم الإيراني، الرسائل الإيرانية واضحة جدّاً في هذا السياق، يا تُرى هل تم فهمها جيّداً؟
خالد الجيوسي