لا ربيع في ازمة الشرق الاوسط | صحيفة السفير

لا ربيع في ازمة الشرق الاوسط

أحد, 05/02/2017 - 14:50

تشير الدراسات المتوفرة الى ان الدول القائمة في الشرق الاوسط يعود اصلها الى ما بعد الحرب العالمية الاولى حين قررت الدول الاستعمارية المنتصرة تقسيم المنطقة الى دويلات خاضعة لها. لقد نجحت العملية بالاعتماد على الذين قبلوا التعاون مع المحتلين الاجانب. وبمرور الزمن تحول هؤلاء الى ملوك او رؤساء يمارسون الطرق الدكتاتورية والعنف ضد شعوبهم. الامر الذي اجبر شعوب المنطقة على الانتفاضات المتكررة دفاعاً عن حقوقهم ، بما في ذلك حرية الكلام بل حق الحصول على لقمة العيش. لقد ازداد حرص الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية وبالاخص بعد احتلال فلسطين من قبل الصهيونية العالمية المسندة بقوة من قبل امريكا. فتشكلت الاحزاب الجماهيرية التي تقود هذه الانتفاضات. ثم تطور نضال الشعوب الى ثورات ناجحة و برز قادة عظام من امثال جمال عبدالناصر، في مصر،  وعبد الكريم قاسم ، في العراق،  وشكري القوتلي في سوريا  وعلي ابو نوار وعلى الحياري، في الاردن، وياسر عرفات في فلسطين، والدكتور مصدق في ايران، كل يعمل بطريقته لتحرير بلاده من السيطرة الاستعمارية. فانتعشت الحركات الوطنية والقومية والشيوعية التي عملت بجد لانقاذ المنطقة من السيطرة الاجنبية. تكفينا الاشارة هنا الى الانتفاضات الفلسطينية التي حررت غزة وانتفاضة جنوب لبنان ضد الاحتلال الاسرائيلي في الثمانينات من القرن الماضي.
 لقد لعب بترول المنطقة الدور الاساسي في استخدام المستعمرين مختلف السبل للقضاء على هذه الحركات التحررية وقادتها، لقد استغلوا سياسة اسرائيل التوسعية بمباركة الطبقات الحاكمة المحلية. فظلم المستعمر والموالين له من الحكام اشعلت الانتفاضات المناهظة لهما.  وهذه ليست ظاهرة جديدة لكي يتم وصف الغليان الحالي بالربيع.
 لقد قرر المستعمرون اعادة رسم خريطة العالم من جديد بعد سقوط المعسكر الاشتراكي. انهم نجحوا في تفتيت بقايا الاتحاد السوفياتي الى دويلات صغيرة، كجورجيا وارمينيا واذربيجان.. الخ، خاضعة لحلف الاطلسي الى درجة استخدام جيوش هذه الدويلات في حروبهم المستمرة. لقد كان لنجاحهم في تفتيت يوغسلافيا دوراً مشجعاً لهجومهم على افغانستان والصومال والعراق، بل هايتي وباناما ونيكراغوا ايضاً.
و بصورة لم يتوقعوها اصطدم الامريكان بالمقاومة الشعبية العنيفة في الصومال وافغانستان والعراق. تلك كانت حقاً انتفاضات جبارة يمكن وصفها بالربيع. لقد قدمت امريكا خسائر جمة في العراق اذ استلمت جثة 4486 قتيلاً من العراق، مقابل 1985 من افغانستان. كل هذا اجبر امريكا على تغيير خطتها بصورة كلية. لقد قررت استخدام الحرب الطائفية، بين السنة والشيعة، والتهديد بالحرب القومية عن طريق استخدام مسعود البازاني بصورة رئيسية في العراق. لقد نجحت امريكا هذه المرة، خاصة وانها استخدمت ما يسمى بالصحوات، وهذه جماعات سنية عملت كمرتزقة لاضعاف المقاومة العراقية من جهة ولتهديد حكومة بغداد التي استخدمت الطائفية وتعاونت مع ايران.
ان هذا النجاح شجع امريكا على توسيع الخلاف الطائفي ليشمل المنطقة كلها. لقد ادركت امريكا أن اغلب الحكومات الصديقة لها، خاصة تلك التي تجهزها بالبترول والديون، تعتنق المذهب السني وان عدداً منها اعترف باسرائيل ويشجع الحرب ضد ايران (( لقطع رأس الافعى.)) اذن على امريكا ان تستند على الحكومات العربية الغنية بغية مجابهة تطور ايران اقتصادياً وعسكرياً بصورة مدهشة. ثم ان ايران تعتبر المجهز الرئيسي للبترول الى الصين.
لقد حدثت الانتفاضات في تونس ومصر واليمن والبحرين حين ادركت الشعوب فشل امريكا لا في العراق وافغانستان والصومال فحسب بل لاصابتها بازمة اقتصادية عميقة، بلغت ديونها اكثر من انتاجها الاجمالي السنوي. فظروف الانتفاضة كانت ملائمة جداً للنهوض، من جديد، ضد العدو المزمن.
لقد وجد المستعمرون انفسهم في مأزق خطير. فلابد من اغتصاب المبادرة من العدو والقيام بالهجوم المقابل. فبحجة (( الربيع العربي)) اشعلوا الفتنة في ليبيا لكونها اضعف حلقة في المنطقة. لكن ما تعلموه في العراق وافغانستان منعهم من ارسال جيوشهم لاحتلالها. لقد قرروا الاستفادة من تصرفات القذافي الزئبقية واستخدموا مجلس الامن للقضاء على مقاومة ليبيا بطائرات حلف الاطلسي وكذلك عن طريق قواتهم الخاصة التي دخلت ليبيا لتدريب المعارضة وقيادتها لتدمير الجيش الليبي. لقد فقد هذا الجيش غطاءه الجوي، بل معظم اسلحته السوفياتية العتيقة. لقد جاءت قرارات جامعة الدول العريبة كلها لتشجيع هذا التدخل. هكذا انتكست قوات القذافي بسهولة وتم ذبح ثلاثين الفاً من الشعب وتمكنت الشركات الغربية من السيطرة التامة على البترول. اذن لم يصل الربيع الى ليبيا بل انتشرت الخلافات العشائرية لكي يستمر القتل.
 لقد كان تدخل الحكومة السعودية العسكري في البحرين مصحوباً بالدعاية الصاخبة التي اتهمت ايران بتحريض الشيعة لقلب نظام الحكم هناك ثم احتلال الجزيرة. الا ان المعروف ان جزيرة البحرين هي القاعدة الاساسية للاسطول الخامس الامريكي كما ان الحكومة البريطانية تحتل قاعدة عسكرية في الجزيرة . فالاحتلال الايراني المزعوم للبحرين سيصطدم بالقوات الانغلو امريكية دون الحاجة حتى لتدخل مجلس الامن . فمصير ايران في مثل هذه المجازفة سيكون اتعس بكثير من مصير العراق في حرب الكويت. الا ان الدعاية الطائفية ضد ايران ارتفعت الى حد الرنين، مستغلة التصريحات والتصرفات غير المسؤولة لبعض الساسة الثانويين في ايران.
 ان استمرار الاصطدامات الدموية في البحرين ونجاح المساعدات المالية من قبل الحكومات الملكية لحرف مسار الثورة المصرية جعل الجماهير تشك في نظرية الربيع العربي. لقد ادركت بأن الاستعمار الغربي واصدقاؤه من العرب وجدوا ضرورة الاعتماد على حلفاء جدد في المنطقة. فنجحوا، مع المساندة الذكية من الصهيوني الفرنسي برنارد ليفي، في كسب قادة الحركة السنية في تونس، من الذين اسرعوا الى مساندة حلف الاطلسي لا في ليبيا وحدها بل في كل المنطقة.
مع انتكاسة الاحزاب الوطنية المناهضة للاستعمار في المنطقة وتوجه الشعوب الى الدين، عسى أن يجدوا فيه ملاذاً آمناً، وجد المستعمرون وحلفاؤهم في الدول العربية سهولة استغلال التباين الطائفي في سوريا والتركيز عليه لاسقاط حزب البعث. هناك اسباب مهمة وعديدة لتحقيق هذا الهدف: ان هذا الحزب رفض الاعتراف باسرائيل واستمر في المطالبة بهضبة الجولان المحتلة، التي تجهز اسرائيل بثلث مياهها، وساعد حركة حماس في فلسطين وجهز حزب الله في لبنان بالصواريخ لقصف اسرائيل بنجاح وسمح لقادة حزب البعث العراقي وكوادره والالوف من اعضائه ومؤيديه في اللجوء الى سوريا والعيش فيها بأمان. واخيراً وليس أخراً ان البعث السوري مرتبط اقتصادياً وسياسياً بايران، فمن الضروري توجيه الضربة القاتلة ضده بحجة انه استمر في الحكم لأربعين سنة.
لقد اكد جوليان اسانج، محرر تقارير ويكيلكس، في مقابلة له على تلفزيون ((روسيا  اليوم ))  مع الرئيس التونسي، الدكتور غنوشي، على أن القوات الخاصة الامريكية دخلت الى سوريا، قبل التظاهرات الاولى في درعا. انه اكد على قيام هذه القوات بتدريب المعارضين وتوجيههم ضد النظام. ثم تكونت جبهة واسعة من امريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وعدد من الحكومات العربية، بل حتى منظمة القاعدة، بعد تصريحات الدكتور الظواهري، وعدد من شيوخ عشائر الانبار في العراق لمساندة المعارضة السورية التي تلعب فيها حركة اخوان المسلمين دوره.
 وبالرغم من الخلافات التي تنخر صفوف المعارضة السورية تحولت الاصطدامات الى حرب اهلية شرسة، لا يمكن ايقافها بالتوصيات غير الملزمة لمجلس الامن ولا حتى بقطع العلاقات الدبلوماسية الجماعية مع الحكومة السورية كما حدث في 29/5/2012, ومع هذا تصر الجبهة الاستعمارية على الاستمرار في تسليح المعارضة وحثها على الصراع. انها تأمل بان استمرار المحرقة  ستضعف الحكومة وتجبرها على الرضوخ والقبول بازاخة الدكتور بشار الاسد على الاقل.
هذا هو الهدف المعلن للحكومات الاستعمارية التي عبرت عنه هيلري كلينتون، حين كانت وزيرة الخارجية الامريكية، بكل صرحة وفي مناسبات عديدة. لقد اعلنت حكومتا بريطانيا وفرنسا عن تأيدهما الكلي لموقف امريكا بصورة صريحة وعلى لسان وزيري الخارجية في البلدين. الا ان الاهداف البعيدة  لامريكا هي اجبار سوريا على الاعتراف باسرائيل، دون قطع مياه الجولان عنها. ثم القيام بفك الارتباط بين سوريا وحزب الله في لبنان من جهة وايران من الجهة الاخرى. هكذا تؤكد تفسيرات معظم المحلليين المختصين في دراسة السياسة الامريكية، بمن في ذلك عدد من المحللين الاسرائيليين . اذا نجحت امريكا في تحقيق هذه الاهداف فسوف يتم فرض سياسة اسرائيل على جميع جيرانها. ثم يتم حصر ايران ومنعها من تطوير منشآتها النووية. عند ذلك يسهل ايضاً اجبار ايران على الاعتراف باسرائيل بل وحتى منعها من تجهيز الصين بالبترول. هكذا يتحول تركيز السياسة الامريكية من  الشرق الوسط الى الشرق الاقصى لايقاف الانتعاش الاقتصادي الصيني و مكافحة ((المحور الثالث  للشر)) في كوريا الشمالية. هكذا يتطور الحلم الامريكي.
ليس في كل هذا اي اثر واضح للربيع العربي بل انه محاولة مستميتة لحل الازمة الامريكية بالاعتماد على التطاحن الطائفي بين المسلمين. هناك الكثيرون من اغنياء العرب الذين يشاركون امريكا في كل ذلك ويقدمون المال والسلاح لقتل العرب الفقراء. ولهذا ايضاً يستخدمون ابواقهم التلفزيونية في خدمة هذا القتال.

 

البروفيسور كمال مجيد