"الجاذبية" أكبر قوة في الكون..
تضبط حاضره.. وتطوراته.. وتوازناته..
- إنها "سيدة" الكون!
قوة لا نراها بالعين.. ولا بالتلسكوبات.. ولا المراصد.. ولا الأقمار الصناعية.. ولا المركبات الفضائية..
كل "عيون" الأرض والفضاء لا ترى الجاذبية، بل تحسب آثارها..
ولا أحد منا رأى، من قريب أو بعيد، هذه القوة الحاضرة فينا وحولنا، وهي أصغر مما نتصور، وأكبر وأضخم وأقوى مما نتصور..
ولكننا نستطيع، وبحسابات، ضبط آثارها.. واستطلاع وجودها ذي الصلة المباشرة بالأحجام الصغيرة والمتوسطة والكبيرة..
الجاذبية هي "لحام"، غير منظور، للكواكب والنجوم والمجرات وغيرها.. تجمع بين مكونات الحياة.. وتجعلنا - نحن البشر - نقف ونمشي ونجري ونقفز ونشتغل، ثم نستلقي على الأرض، وننام لكي نستيقظ، ونستيقظ لكي نستأنف دورة الحياة..
ومن آثار "سيدة" الكون، الجاذبية، تتكون لدينا نحن الكائنات الحية، من نباتات وحيوانات وبشرا، انجذابات بين الأنواع هي تصنع التلاقح والتناسل والتفكير المتفاعل..
كل هذا وغيره من ثمار "سيدة" الكون.. الجاذبية..
هي تتحكم في الأحجام، ومن ثمة في ما ينتج عن الأحجام من نبضات الأجناس والأفكار، ومن تفاعلات تحرك الوجود باتجاه مستقبل يبدو محدودا، ولكن خلف المحدود لامحدود.. ووراء كوننا المرئي، قد تكون أكوان وأكوان، وربما بأعداد لامحدودة..
ويبقى كوننا الشاسع الرحب مترابطا بالجاذبية..
والجاذبية، بكل هذا العنفوان والضبط والجبروت، بدأت قبل أن يوجد أي شيء في الكون..
انطلقت من صلب الانفجار الكوني "Big Bang" الذي تولدت منه الأحجام العملاقة، والأحجام الأصغر في الكون المرئي، قبل ما يقارب 14 مليار سنة ضوئية..
الجاذبية كانت موجودة، في صلب المجهول، مثل نطفة أو بذرة أو ما شابههما.. بذرة تولد منها كل هذا "التحكم" الكوني الذي جعل الحركات والسكنات تتم في أوقات مضبوطة، بلا زيادة ولا نقصان، وجعل المكان - أي مكان - يتراقص، ويتناغم مع الزمان، وفق "أوقات" لا تزيد ولا تنقص..
هذه الجاذبية هي أيضا "سيدة" الزمان والمكان، في أي زمان وأي مكان من كوننا الشاسع الذي نحن فيه، والذي هو أيضا ساكن فينا.. ساكن في أية ذرة منا..
هي حاضرة في كل ذرة من حياتنا، وفي كل ما هو أصغر حجما في الكون، كما في الأكبر حجما..
تتحكم فينا جميعا.. في الأصغر حجما.. وفي الأكبر حجما.. والأكبر والأصغر يتساويان أمام توازنات "سيدة" الكون..
هي "تقرر" حركات وسكنات الأصغر حجما، والأكبر حجما، وما قبلهما وما بعدهما..
ونحس بها، وبشكلها البارز، في حركاتنا وسكناتنا..
- ولم يتنبه العالم لهذا، وبالملموس، إلا بعد أن جاءت "تفاحة نيوتن"..
إسحاق نيوتن، من أجيال القرن 17م، عالم إنجليزي اكتشف الجاذبية، بفضل سقطة تفاحة!
كان تحت شجرة، فسقطت عليه تفاحة.. وتنبه إلى أن للأرض جاذبية تقوم بتثبيت الأجسام في مكانها..
ثم أصبحت الجاذبية علما قائما بذاته.. ثم علوما.. وتطورت علوم الجاذبية.. واكتسحت الكون في عمليات مسح شامل..
ومع تواصل الأبحاث يتبين كم نحن مدينون للجاذبية بوجودنا، وباستمرار وجودنا، وأن "علوم الجاذبية" قد تمكننا من لجوء كوني إلى كواكب أخرى، لاستئناف الحياة، إذا ما عجز كوكب الأرض عن الاستمرار في إيوائنا..
ولهذه الجاذبية الكونية انعكاس على حياتنا اليومية، نحن البشر، وحتى على إنتاجاتنا التفاعلية في الفكر والمشاعر والتواصل..
إن الكائنات الحية تنجذب لبعضها، وتنجب نسلا مؤهلا لمواصلة رحلة الجاذبية الحياتية..
والطيور تنجذب لبعضها..
والنبانات لبعضها..
والحشرات.. والأسماك.. والحيتان..
وحتى ما هو أصغر، ثم أصغر، من ميكروبات وغيرها..
كل هذه تحيا وتتواصل، تحت أضواء "سيدة" الكون، بفضل الانجذاب المتبادل..
وها هي الجاذبية طاقة في منتهى "الصغر"، وفي منتهى"الكبر"، رغم أن الحساب لا يتم دائما بشكل حجمي، بل بمدى قوة وضعف الجاذبية..
نفس الجاذبية يأتي منها التجاذب..
وكل ما في الكون ينجذب ويتجاذب، على مستوى التواصل الظاهري، والتواصل المشاعري الذي يؤدي إلى اندماج أو تنافر الأحاسيس والأفكار، ومن ثمة الطموحات، فالحركات المتناسقة بين هذه الكائنات، ومنها الذكورة والأنوثة..
هو ذا التفاعل بين أنواع من منتجات الجاذبية..
إن "سيدة" الكون، الجاذبية الرئيسية، أنتجت تفاعلات وتولدت عنها جاذبيات فرعية متنوعة..
ومن صلب الجدة، وهي "سيدة" الكون، الجاذبية، ظهرت حفيدات، من نوع آخر، وهذه من تفاعلات الجماد والنبات والحيوان والإنسان..
وقد يأتي المستقبل بأنواع أخرى من تفاعلات الجاذبية..
ويبدو أن الجاذبية نفسها مقبلة على "تطور" مستقبلي، لإنتاج أبعاد جديد للجاذبية المحسوبة.. وهذا قد نتمكن من حساب هذه الأبعاد، وقد لا نتمكن.. والأمر متوقف على مستقبل قد نكون فيه مشاركين، وقد لا نكون، لأن الكون نفسه يتمطط ويتطور ويتجدد..
والإنسان ليس وحده يعمر ما لا يعد ولا يحصى من الكواكب والنجوم التي تتحكم فيها نفس الجاذبية: "سيدة" الكون!
وحتى "قوانين" كوكب الأرض، قد لا تنطبق على كل مثيلاتها في باقي الكواكب.. لكن "سيدة" الكون، الجاذبية، موجودة هنا وهناك، وفي كل مكان وزمان..
ومهما يكن، ففي حالتنا البشرية، تأخذ الجاذبية شكلا إضافيا عن تثبيتنا، باعتبارنا أحجاما.. الشكل الإضافي هو أن الجاذبية تعطي لحياتيا بعدا خاصا بنا، فتصبح هي - الجاذبية - تجاذبا وانجذابا وتفاعلات جذابة جاذبة.. وتضفي على علاقاتنا البشرية شحنات من التواصل والأفكار والمشاعر..
كل هذه وغيرها تحصل داخل الانجذابات، المتبادلة بين الأشياء والكائنات، وبفعل الجاذبية التي تحيطنا من كل الجوانب، وتسكننا حتى في أعماقنا..
وهذا التفاعل ينتج بدوره أنواعا أخرى من الجاذبيات، في الأحجام والأجسام والأفكار..
ويحفز إلى استمرار الحياة، فإلى تفاعلات في الأذهان، لتطوير المعرفة..
وكلما ازداد المرء علما، ازداد انجذابا إلى ما يعرف.. وفي اتجاه ما لا يعرف..
وتتحول الجاذبية إلى رحالة لاستكشاف ما نجهل في ما نعرف، وما نعرف في ما نجهل..
- وفينا انطوى العالم الأكبر!
فينا وحولنا انطوت الجاذبية.. "سيدة" الأصغر والأكبر..
- فسبحان خالق الجاذبية: "سيدة" الكون!
أحمد إفزارن