الولايات المتحدة تنتقل من حل بائس الى اخر أكثر بؤسا في العراق | صحيفة السفير

الولايات المتحدة تنتقل من حل بائس الى اخر أكثر بؤسا في العراق

اثنين, 13/02/2017 - 11:40

يبدو ان الولايات الامريكية، التي لم تكتف بما فعلته في العراق وبالعراقيين منذ عام 2003، بل ان ادارتها الجديدة ما تزال مستمرة في محاولات فرض حلول من قبلها للمشاكل الكبيرة التي خلقتها، والتي أدت الى تمزيق وتدمير البلد. قد يبدو هذا الحل الجديد ساذجا وسطحيا في ظاهره ، ولكن من يدقق في جوهره يجد انه ذات ابعاد مدروسة ولا تقود الا الى تمزيق اكثر واكبر للعراق وان هناك من يرحب به. لما لا وهناك من العراقيين من هم على استعداد كبير لاعانتها على ذلك. فقبل خمسة عشرة عاما تعاون ممثلين، او هكذا ادعوا، من اطياف الشعب العراقي مع الولايات المتحدة على احتلال العراق بدعوى المظلومية، التي كانت عامة وشاملة، وسهلوا احتلال بلدهم مدعين انهم سيحققون الديمقراطية.

واليوم وبعد التجربة القاسية والمريرة والمدمرة يهرول ممثلون لِطيفٍ اخر من اطياف الشعب العراقي الى الأميركان، وينبطحوا لهم كما فعل امثالهم قبل الاحتلال، ليجروا حوارات سرية وعلنية هدفها استبدال الحل الطائفي المقيت الذي فرضه الاحتلال بحل طائفي آخر وبدون اي خجل او حياء.

في جنيف تجري  استعدادات لعقد محادثات بين الطرفين، وقبلها في عمان ولندن جرت لقاءات بين الادارة الامريكية السابقة والحالية مع أشخاص من طائفة معينة، وعلى حد تعبير احد أطراف هذه الطائفة الفرحة بهذه المحادثات والساعية اللاهثة لها، انها ستنهي الهيمنة الطائفية التي سادت في الفترة السابقة، ولا يقول انه كان هو وامثاله أطرافا فيها حكما وفسادا وقتلا للعراقيين. ولا يقول ان هذا الحل سيستبدل وجوه طائفية فاشلة باخرى لا تختلف عنها. ومن المؤسف، او المخجل،  انه وبعد كل هذه التجربة القاسية لا يزال هناك بين العراقيين من يعتقد ان أمريكا وبريطانيا واسرائيل وإيران وتركيا ودول الخليج ستجد الحل لما يعاني منه العراق. وبدلا من ان يجلس العراقيون بجميع اطيافهم ومكوناتهم  مع بعضهم البعض ليدبروا ويناقشوا مأساتهم وسبل الخروج منها يلجأ أشخاص من كل مكون وطيف منفردين وممزقين وأذلاء الى الأطراف الخارجية من اجل منافع مادية وشخصية وآنية.

وبدلا من ان يتنادوا فيما بينهم لعقد اجتماع شامل لكل العراقيين لمناقشة سبل الخروج من المأزق الذي وضع الاحتلال فيه بلادهم نجدهم فرحين بان يكونوا مقربين مِن مَن دمر البلاد وقتل العباد وشردهم. ان الاستعداد للعمالة ولبيع الذات بأثمان بخسة امر موجود بين كل الشعوب، ولكني اعترف وبألم كبير بان اكثر ما  صعقني في بغداد بعد صدمة الاحتلال هو ذلك الكم الهائل من العملاء الذين أتوا معه او ظهروا من الداخل او المستعدين، ولايزالوا، لكي يعملوا معه.

وعندما تحدثت عن هذا الامر مع من هو اعرف واكبر سنا مني قال لي انه في زمن الانحطاط تستفحل هذه الحالة. لكن الامر الذي يرسم على فمي بين آونة واُخرى  بسمة الم وسخرية هو محاولة هذه النماذج التحدث عن وطنيتها واخلاصها لبلدهاوشعبها في كل مرة تسنح لها. فبعد ما أطلقوا على الاحتلال تحريرا، وعلى قتل أبناء جلدتهم اجتثاثا وتنقية للمجتمع، وعلى طائفيتهم وعنصريتهم احقاقا لحق غبن لفترة طويلة، عادوا وبكل وقاحة،  معتقدين ان الناس قد نست افعالهم وتصريحاتهم، لكي يتحدثوا عن الاحتلال واخطائه وعن نصائحهم للمحتل التي لم يأخذ بها!!!! لا بل وصل الامر بأحد أوائل الفاسدين والهارب من حكم قضائي نادر بسجنه ان يكتب لنا عن ما ستفعله الادارة الجديدة في العراق وكيف انها ستزيل الطغمة الفاسدة و تصادر اموالها الهائلة المودعة في الخارج وتصلح الأمور، تمهيدا للترويج للنؤتمرات التي تعقد الان.

لا اريد ان اطيل الحديث عن ماجرى ويجري لأني اعتقد ان هده فترة غبراء وسحابة سوداء يجب ان يتجاوزها العراقيون بصبرهم المعهود وتاريخهم المشرف المعروف، ولكني اعتقد وبكل تواضع ان الحل لا يكمن الا بيد العراقيين الغيارى والذين تأثروا بما جرى ويجري، وان هؤلاء وحدهم ومن خلال سعيهم لوحدة وطنية  صادقة، كالتي تبناها اجدادهم في مواجهة الاحتلال البريطاني، سواء في ثورة العشرين او بعدها، هم الاقدر و الاصدق على حل مشاكل العراق وإعادة الروح اليه. وعلى هؤلاء ان يحذروا من ان يندس بينهم من تلوثت مسيرتهم بالتعاون مع الاجنبي أيا كانت هويته، او تلوثت يداه بالدم العراقي او المال الحرام. وقبل كل هذا وذاك ان يتصدوا لكل المحاولات المشبوهة المبنية على الطائفية والعنصرية وتهميش الآخرين. ان الحل الصحيح الوحيد هو ان يبادر العراقيون أنفسهم الى تأسيس مؤتمرا تأسيسيا شاملا او ان يحيوا الموتمر التأسيسي الوطني العراقي الذي كان عابرا للمكونات، كي يضعوا خطة شاملة لتحرير العراق وانقاذه من مصير قاتم، وان يكون الحراك الشعبي داعما لهذا المسار.

د سعد ناجي جواد