البارحة مساء الاثنين الموافق 13 فبراير 2017، وبُعد صلاة العشاء مُباشرةً، بالجامع المعروف شُهرةً "مسجد التِجانيين" بتيارت، توفي سيدِ ولد محمد عبد الرحمان ولد سيد أحمد، وكان آخرُ كلامه حسب من حضر لا إله إلا الله.
من مواليد سنة 1965 بضواحي أطار، وقد لازَمْتُه قرابةً وأُخوَّةً وصداقةً حوالي أربعين سنة، فما شاهدتُ منه يومًا إلاّ الإيمان والعمل الصالح فحسب.
انخرطتُ وإياه سنة 1980 في تيّار الصحوة الإسلامية، إبّان انطلاقتها في مدينة أطار، وقد ظلّ وفيًا لتلك المبادئ الإسلامية المُعتدلة الوسطية، وكان من أبرز الشباب الإسلامي، الذي واكبَ وأسّس لهذا التوجه الإسلامي في مدينة أطار بوجه خاص وفي البلدِ عمومًا.
عَرفته المدرسة العصرية الابتدائية والثانوية والجامعية، فكان مُتفوقًا باستمرار، حيثُ حصل على باكلوريا الرياضيات وتخرّجَ بعد ذلك من المعهد العلمي العالي مُهندسًا في المعلوماتية، وعمل بعدها في عدة قطاعات، منها بوجه خاص الحالة المدنية، وكان تقريبًا من أوائل من التحقوا بهذا المرفق، حيثُ عُيِّن رئيسًا لمصلحة المعلوماتية، وبعد ذالك مُفتشًا، قبل أن يُحال لوزارة الداخلية إلى حينِ رحيله رحمه الله.
وقد امتهن منذ سنة 2007 الإعلام الإلكتروني المُستقل، تناغمًا مع ارتباطه السابق المتنوِّع بالإعلام الدعوي والسياسي الإسلامي، منذ 1980 في أجواء الحركة الإسلامية، الذي تأثر بأدبياتها مُبكرًا، كما أنّ خلفية تخصصه في المعلوماتية شجعته أكثر على مُزاولة الإعلام الإلكتروني والمهنة الصحفية عُمومًا، فكان من رجالاتها بامتياز، بصمت ومهنية وعِفة.
فظلَّ منذ سنة 2007 مُديرًا ناشرًا ورئيس تحرير لموقع الديار نت، وله كتابات كثيرة، كما كان مُهتمًا بالتاريخ باحثًا في وثائقه، خصوصًا ما تعلّق منها بولاية آدرار، حيثُ حقق بعض فتاوي جده لأم بانمُّ بن أحمد سنة 2016، سحب مطبعة المنار بنواكشوط، تحت عنوان "تحقيق ودراسة رسالة القاضي بانمُّ في مسألة العُرف الشرطي"، صدرَ هذا التحقيق ضمن كتاب من 117 صفحة، أنيق السحبِ شيِّق ونادر المُحتوى، وهو مُسجّل تحت الرقم 1603 لدى المكتبة الوطنية، وقد تم تداوله على نطاق مُعتبر.
تميّز الفقيد رحمه الله بالكفاءة والخُلق الجم والعصامية والعفة.
وبحكم تكوين سابق في مجال المعلوماتية لدى دولة اليابان، كان له حُضور مشهود في رابطة الصداقة اليابانية الموريتانية، وقد انتُخب أمينًا عامًا لهذه الرابطة، قبل أقل من ثلاثة أسابيع، رغم وجوده فيها منذ تأسيسها.
وبوفاة سيدِ ولد سيد أحمد أكون قد فقدتُ ركيزتين، في أقلّ من سنة، الوالدة رحمها الله وهذا السند الغالي والأخ العزيز رحمه الله، ولا أقولُ إلاّ ما يُرضي الرحمان، إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى وكلُّ شيء عنده بأجل مُسمى.
هو سيدِ ولد سيد أحمد، لأبيه محمد عبد الرحمان، ولأمه السالمة منت بانمُّ، رحم الله الجميع.
مُتزوِّج وله أولاد، ألهم الله الجميع الصبر والسلوان، وعزائي لهم جميعًا ولسائر الأهل والإخوة والأصدقاء.
هكذا الحياة، قضاء وقدر وأيام معدودات، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
اللهم تجاوز عنه وتقبّل عمله الصالح واجعله في رفقة النبيين والصديقين والشُهداء والصالحين.
مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلّمَ، من كان آخرُ كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، اللهم ثبتنا من بعده عليها وعلى المحجة البيضاء إلى أن نلقاهُ في نعيم الرحمان بفضله ومنِّه.
اللهم اجعله ممن قلتَ فيهم: "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا" وقال جلّ شأنه في موضع آخر: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ".
اللهم ألهمنا الصبر وثواب الصبر، يا أكرمَ الأكرمين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد الفتاح ولد اعبيدن