سيدنا ولد محمد أحمد : من الاختطاف إلى تنكر الوطن.. لم يكن سيدنا ولد محمد أحمد يعلم أن كل أحلامه حين كان في مقتبل العمر ستتبخر هكذا في لمح البصر ويصبح هو عنوانا لمأساة مزدوجة ، طرفاها جلادو البوليساريو ووطنه الذي كان كل الذين حكموه يحسبونه تركة ورثوها عن آبائهم ، وليس للمواطن الغريب حق فيها .
حين تنصت إلى هذا الرجل يروي فصولا من قصة مأساته وهو يحتضن حفيده فإنك ستتخيل أنه يعيد تمثيل قصة البؤساء في طبعتها الجديدة التي لم تنشر بعد ، بل ربما تخيلت أنك تجالس جان فلجان وفي حضنه كوزيت .
بدأت قصة هذا الرجل ( أو على الأصح بقايا الرجل ) عندما حصل على الشهادة الابتدائية في نهاية الستينيات وتم اكتتابه في ( شركة ميفرما ) التي ستصبح بعد تأميمها الشركة الوطنية للصناعة والمعادن ( سنيم ) والتي أوفدته إلى فرنسا للتكوين في مجال الاتصالات ، بعد التخرج عمل مسؤولا عن جهاز الاتصال على متن قطار الشركة الناقل للحديد ، وبدا له أن الحياة بدأت تبتسم في وجهه وأن كل أحلامه ستتحقق ، فقد كانت رواتب الشركة يومها من أعلى الرواتب ، وامتيازات عمالها كثيرة ، وكان كل يوم يمر يحس فيه بأنه تقدم خطوة نحو ما يصبو إليه من توفير حياة كريمة له ولأسرته إلى أن جاء اليوم الذي بدأت فيه كل تلك الأحلام تتلاشى لتترك مكانها لقصة معاناة لازالت فصولها مستمرة .
قرب مدينة افديرك في الشمال الموريتاني تم اختطاف سيدنا ( جان فلجان موريتانيا ) مع مجموعة من المدنيين الموريتانيين مثله على يد مجموعة من جلادي البوليساريو ، اقتادتهم إلى تيندوف حيث تم الزج بهم في معتقلات جهنمية ذاقوا فيها صنوف العذاب طيلة أربع سنوات ، تم تسليمهم بعدها إلى وحدة موريتانية ، يقول ( سيدنا ) أن جلادي البوليساريو كانوا أرحم منها في تعاملها معهم ، حتى أن بعض ممن استنطقهم من هذه الوحدة سألهم لما لم يجلسوا في المخيم ؟ وهنا يستغرب المسكين السؤال لكونه من سكان مدينة " تيشيت " التاريخية ولن يقايضها بأرض " لحمادة " التى حضر إليها مجبرا ، ولا شك أن هذا السؤال يذكر ضحايا البوليساريو من المدنيين الموريتانيين بالحملة الدعائية التي شنها المسؤولون السياسيون لهذه الأخيرة داخل المخيمات على موريتانيا بعد اعترافها بالجمهورية الصحراوية ، قصد الإيحاء بأن هذا الاعتراف جاء للتغطية على عمل "الجواسيس " الذين أوفدتهم لتخريب البوليساريو من الداخل ، في وقت كان البعض داخل المخيمات يتعمد " التشفي " في الموريتانيين بلغة ساخرة : " نحن نحكمكم هنا ونحكمكم في موريتانيا في إشارة إلى رئيس موريتاني سابق يرى الضحايا أنه شارك في محنتهم بطرق متعددة .
يتابع سيدنا فيقول : لم تكن مأساتي لتنتهي بالسجن وويلاته طيلة تلك الفترة ، بل إن أسوأ فصولها بدأت عندما عدت إلى وطني ، فبعد عمليات الاستنطاق التي تعرضت لها على يد من يفترض أن يكونوا أرفق بي من الغير ، فوجئت بأني قد فصلت دون حقوق من العمل وأنا في سجن البوليساريو ، وكان رد الشركة عندما طالبت برواتبي طيلة فترة اختطافي هو أنني مختل عقليا ، لأني أطالب بحق ليس لي ، وقد فشلت كل محاولاتي لنيل هذا الحق حتى اليوم .
يتواصل ......