السنة الثالثة واليمنيون يحترقون في أفران الأشقاء والأصدقاء وكأن الزمن قد توقف عندهم فجأة ، والعالم نسيهم والإنسانية تخلت عنهم في مكان قصي ومهجور..
السنة الثالثة واليمنيون يهيمون على وجوههم بلا هدف وبلا مشروع وبلا منطق وبلا حليف ، ينتقلون من حطام إلى حطام ومن رماد إلى رماد ومن مقبرة إلى مقبرة ومن مندوب أممي إلى آخر ومن خطة سلام إلى أخرى ومن ظلام إلى ظلام ومن عدوان إلى عدوان ومن تناقض إلى تناقض ومن مذبحة إلى مذبحة ، فلا الجامعة العربية ولامنظمة التعاون الإسلامي ولا الأمم المتحدة ألتفتت لهم وسمعت بمعاناتهم ، ولا الفرقاء السياسيين وأطراف معادلة الصراع الداخلي رحموا أنفسهم وشعبهم ،
ولا العدوان السعودي ومن تحالف معه رواوا ضمآهم من دماء أطفال اليمن وأبريائه الذين يموتون ويُعذّبون ويُشرّدون ويُحاصرون وتُجرّب فيهم أحدث وأبشع ما انتجته مصانع الأسلحة في أميركا وبريطانيا.
ثلاث سنوات عجاف جاءت بعد ثلاث سنوات من جفاف السياسة والحكمة والشراكة مهّدت لهذا الموت والجوع واللادولة وفقدان البوصلة والثقة وغياب اليقين .
ثلاث سنوات من الحصار والقتل والمظلومية والتمزُّقات العميقة والعنيفة في الجغرافيا والإنسان والنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنيةوالتسامح .
ثلاث سنوات والأمم المتحدة عاجزة ، ليس فقط عن وقف الحرب والعدوان ورفع الحصار على هذا البلد المستقل والعضو في كلالمنظمات والهيئات والكيانات الدولية، بل عجزت عن تسمية الأشياء بمسمياتها، كتحديد القاتل والضحية مثلا، وإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية لعشرين مليون يمني أمعاؤهم خاوية ،وإخراج المرضى والجرحى من البلد وإعادة عشرات الآلاف من العالقين في مطارت العالم .
ثلاث سنوات والأمم المتحدة تُراوغ ولم تجروء حتى على قول كلمة حق أوجملة واحدة وصريحة تنصف من خلالها المظلومين كالقول: ( إن السعودية تنتهك حقوق الإنسان وتخالف قواعد القانون الدولي وقرارمجلس الأمن المشؤم رقم (2216) الذي غدا شمّاعة ومقصلة لقتل هذا الشعب وتدمير كل شيء جامد أو متحرك على الأرض.
ثلاث سنوات والنخب اليمنية تُقامر بدماء الناس ومعظمها لم تستوعب بعد مفهوم تقديم التنازلات لأجل الوطن وحجم هذا التآمر شبه الكوني عليه،الذي جعل منه ساحة للصراع بالوكالة إقليميا ودوليا.
مرّات لا حصر لها ، تلك التي ناشدنا ونصحنا من خلالها المتورطين في اليمن،وقلنا: إن تعدد وتنوع اللاعبين والعابثين فيه يحتم على جهات كـ الأمم المتحدة والجامعة العربية ،والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن ،اتخاذ نهج ومبدأ مختلفين عما يقومون به في مناطق وملفات أخرى، وقلنا أيضا :إن اليمن مختلف ولابد من التعاطي الإيجابي والمسؤل مع ما يجري فيه،لعدة إعتبارات منها حساسية الوضع وهشاشة الجوانب الأمنية والاقتصادية والإنسانية التي لا تسمح أبدا بتسليع الأزمة والاستمتاع بالحرب وطوفان النزوح البشري، ولا يحتمل – أيضا – مجاملة السعودية وحلفائها ومسايرة عنترياتهم وصبيانية قراراتهم، وغض الطرف عن الجرائم التي تُخلفها تلك القرارات والسياسات على الملايين من الناس الذين اشتعلت حياتهم بهذا الكم الهائل والفظيع من البؤس والركام ، اضافة إلى تجريب الكثير من الوصفات والعقاقيرالقاتلة بما فيها الأسلحة المحرمة التي يعتقد( الأشقاء) بأنها ستساعدهم في حسم المعركة وإعادة اليمن إلى ما يعتبرونه بـ بيت الطاعة السعودي متناسين جملة من التعقيدات والتحولات والأخطار المحدقة بالجميع التي هي أكبر بكثير مما يتصورنه.
كما حذّرنا مرارا من تداعيات الاستمرار في طريق الخيار العسكري السعودي الذي صار واضحا بأنه فاشل ولا يمكن أن يؤدي إلى خلق شيء من الاستقرار، أوتمكين شعوب المنطقة من إستعادة عافيتها الروحية وإنسجامها .
وقلنا ونقول وسنظل نقول إن زيادة الغارات الجوية والرهان على عامل الوقت وإطالة أمد الحرب ووحشية العدوان والحصار ونشر الرعب والحطام في كل مكان الذي يقود كتيجة طبيعية إلى إرتفاع عدد الضحايا المدنيين ، لن يحل القضية ولن يحقق بطولة أو يصنعمجدا للسعودية أو غيرها،الأمر الذي يفرض عل الفاعيها وعلى كل المعنيين مراجعة النفس والهبوط إلى الواقع ، وفي تقديرنا إن هذهمسألة جوهرية ونقطة تحول ينبغي الأخذ بها وإعتبارها وصفة منطقية، خاصة بعد أن فشلت جميع الوصفات التي أستخدِمت طوال (25) شهرا، بما فيها وصفات القرارات الأممية ، والغطاء الدولي ،ووصفتي الحرب العسكرية والاقتصادية التي تتضمن منع وصول المواد الغذائية والمشتقات النفطة والأدوية ونقل البنك المركزي من صنعاء وقطع مرتبات الموظفين عن المناطق التي يتركز فيها حوالي (80%) من سكان الجمهورية اليمنية، إلى جانب وصفة الشرعية التي صارت فألا سيئا ومفردة تحمل من الشر والتشاؤم لليمنيين أكثر من مما يمكن أن يحمله خبرإعصار من الدرجة الخامسة على سكان منطقة ساحلية فقيرة يسكنون أكواخا ، ويقترب نحوهم ذلك الإعصار بسرعة تزيد عن (200) ميل في الساعة.
عبدالكريم المدي
كاتب يمني