الإبداع ضرورة إنسانية.. | صحيفة السفير

الإبداع ضرورة إنسانية..

سبت, 18/02/2017 - 14:54

أحاول في هذا المكتوب أن أظل وفيا لمنهجية تستقي من الخبرة - بمفهومها الإجرائي - وتتوسل بمنظور شمولي يقفز على الحدود الفاصلة بين الأجناس الفنية وينظر إلى الفنون من أعاليها، دون أن يضيع في الجزئيات.

وأقول.. إنه لا يكفي الإلمام بتقنيات البناء والصياغة داخل جنس فني بعينه لتحقيق شروط الإبداع بمقاصده الجمالية والوظيفية. إن القدرة على الانتقال السلس بين الأجناس الفنية واستثمار "تقنياتها" مصهورة في نسيج إبداعي واحد يرفع منسوب الإبداع في المنجز الفني.

يحتاج الأمر، والحالة هذه، إلى حرفية ماهرة تنتقي من كل جنس فني ما يخدم الحالة الإبداعية، دون أن تعمد إلى هدم الأنساق الفنية وحدودها الفاصلة، ولا إلى كسر القوالب والقواعد، بزعم الحرية في الإبداع.

ولأضرب مثالا عمليا على ذلك:

يوظف الاستطلاع الصحافي، ضمن ما يوظف، تقنية التصوير. طبعا لا أقصد التصوير الفوتوغرافي، بل التصوير الفني بما هو نقل لتفاصيل الصورة الماثلة تحت الأعين والحواس، بأسلوب يتجاوز الوصف "البارد" إلى النقل النابض بالحياة للصورة - الحدث.

والتصوير، بهذا المعنى، تقنية عابرة للأجناس الفنية والأدبية، لأنها - ببساطة – محركة للخيال ومثيرة للمتعة.

إن توظيف هذه التقنية - على سبيل المثال - يعطي فكرة جيدة عن هشاشة الحدود الرخوة بين الأجناس الفنية، لكنه يمنح - في الآن ذاته – إمكانيات إبداعية لا نهائية للصحافي المبدع والسينمائي المبدع والروائي المبدع والشاعر المبدع وهلم جرا.

أعني أن الصحافي المبدع يستطيع أن ينقل أجواء السينما وشخوص الرواية وروح القصيدة، في توليفية تصويرية تمتح من واقع الحدث وتلتصق به وتحيط بتفاصيله، دون أن يخرج عن الضابط العام لصياغة وبناء الاستطلاع الصحافي، كما هو متعارف عليه تحت كل السماوات.

وهذه مهارة لا تعلمها معاهد الصحافة، بل هي نتاج ما أسميته - في بداية هذا المكتوب - الخبرة بمعناها الإجرائي.

أقصد الخبرة الباحثة عن الخيط الناظم للإبداع الإنساني في شتى حقول المعرفة وعن "السر" الإنساني المكنون وراء كل منها. وهي رحلة مضنية وممتعة في آن، وعمادها العقل والقلب في آن.

(ولعلك لاحظتَ أنني أضع الصحافة ضمن قوائم الأجناس الفنية. وهو تصنيف يكتسي وجاهة حقيقية، لا مجال للتفصيل فيها. ولعلك تتفق معي أن الفيلم الوثائقي - مثلا - أقرب إلى الاستطلاع الصحافي منه إلى الدراما السينمائية. والفروق الدقيقة تعزز انتماء الصحافة إلى الفن ولا تلغيه.)

 

سمير بنحطة