بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، أصدرت جامعة الدول العربية قراراً بتجميد عضوية سورية في الجامعة، وكان وراء القرار السعودية وقطر اللتين اختطفتا الجامعة بعد غياب دورعربي فاعل لمصر، وغياب دور العراق بعد احتلاله عام 2003، وغياب الجزائر بعد انشغالها بمشاكلها الداخلية، وبمناسبة قرب انعقاد القمة العربية القادمة خلال شهر آذار/مارس الحالي، فإنها فرصة لإعادة النظر في قرارهم وإلغائه ولأن الرجوع عن الخطأ فضيلة، حيثيلاحظ أن ذلك القرار، وبغض النظر عن مدى ديمقراطية النظام في سورية ورأينا فيه، فإنه:
أولاً: إنه يخالف ميثاق جامعة الدول العربية، التي انضمت إليه جميع بلدان الخليج العربية التي استقلت منذ الستينات والسبعينات وانضمت إلى الميثاق وما بعدها، حيث تنص المادة الثامنة منه، وبغض النظر عن رأينا فيها، على:
“تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها”
وواضح من هذا النص، أن ما قام به مجلس جامعة الدول العربية حول تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية يتناقض مع ميثاق الجامعة وأنه انتهاك صريح للميثاق.
ثانياً: وإذا كان التبرير لقيام الانتفاضة ضد نظام الحكم القائم في سورية، والتي بدأت سلمية وتحولت بعد أشهر قليلة إلى انتفاضة مسلحة، بسبب لا ديمقراطية النظام وتعسفه مع شعبه، فلا يملك المرء إلا أن يتساءل:
هل سورية فقط هي البلد العربي الوحيد الذي قد يكون فيها النظام غير ديمقراطي، وماذا عن ديقمراطية الأنظمة العربية الأخرى؟ والخليجية منها بشكل خاص؟
هل أن الشعب السوري هو الشعب العربي الوحيد الذي قد يكون غير راض عن نظامه ومدى ديمقراطيته؟
وهل أن الشعب السوري فقط، هو الشعب العربي الوحيد الذي لم يستطع فرض نظام ديمقراطي على نظامه، وهل استطاعت الشعوب العربية الأخرى فرض الديمقراطية على أنظمتها؟ وهل يبرر ذلك تدخل بعض الأنظمة العربية لتمويل وتسليح بعض الفصائل المسلحة المتمردة بالمال والسلاح لإسقاط النظام، وهل يبرر ذلك دعم هذه الأنظمة العربية للقوى الأجنبية والتعاون معها في تسليح المعارضة وتشريد أكثر من نصف الشعب السوري خارج سوريا.
وهل المعارضة المسلحة ديمقراطية، وهل هي أفضل من النظام السوري في هذا المجال؟
ثالثاً:لقد آن الأوان لأن تتراجع الأنظمة العربية في قمتها السنوية القادمة في شهر آذار/مارس 2017عن قرارها وأن تقوم بما يلي:
أن تتراجع عن غيّها وتصحح خطئها، بل جريمتها، حول التعليق غير القانوني لعضوية سورية في جامعة الدول العربية، وأن يكفروا عن خطيئتهم بإلغاء قرارهم السابق لتعود سورية إلى ممارسة دورها في الجامعة العربية.
أن تكفر هذه الأنظمة عن خطيئتها بتمويل إعادة إعمار سوريا، رغم أن ذلك سيعيد الحجر فقط وليس البشر السوري الذين راحوا ضحية هذه الحرب العبثية التي أذكوها وساهموا فيها.
رابعاً:إن غياب دور مصر العربي، منذ غياب عبد الناصر، ومجيئ السادات وجريمة كامب ديفيد، وما استمر فيه الرئيس حسني مبارك، كما تبخّر تدريجياً الأمل بأن يعيد النظام الحالي في مصر الذي ورث انتفاضة 25 يناير/كانون الثاني 2011 مصر إلى أمتها لاستئناف دورها العربي، ولكننا لم نفقد الأمل بعد، وكذلك غياب دور العراق من خلال احتلاله عام 2003 والذي شجعته وسهلته أنظمة الخليج العربي وبعض الأنظمة العربية، ثم غياب دور سورية وانشغالها على مدى ما يقرب من ست سنوات بالحرب الأهلية، وانكفاء الجزائر عربياً وانشغالها بمشاكلها الداخلية، هو الذي مكّن السعودية وقطر، ومن خلفهما الولايات المتحدة، من اختطاف الجامعة العربية وفرض ارادتهما ورغباتهما عليها وعلى الأمة العربية، والتي ينطبق عليها المثل القائل:”غاب القط، العب يا فأر”! وهناك المثل العراقي الذي يقول:”من قلّة الخيل، شدوا على الجلاب (الكلاب) سروج”. ولكن ذلك لن يدوم ولن يستطيعوا الاستمرار في هذا العبث. ولا بد للديمقراطية أن تحصل آجلاً أم عاجلاً، وأن نتذكر دائماً قول الشاعر أبو القاسم الشابي في قصيدته “إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة”
“ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر”
فلا بد للديمقراطية أن تحلّ، إن آجلاً أمعاجلاً.
[1] المقالة المنشورة هي افتتاحية العدد القادم من مجلة المستقبل العربي التي ستنشر في الأول من آذار/مارس
[2] الآراء الواردة في هذه الافتتاحية تمثل وجهة نظر الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة رأي المؤسسة التي يشرف عليها (مركز دراسات الوحدة العربية)
خير الدين حسيب