تغره ولد باباه (من خيمة الزفاف إلى القبر) كان شابا في نهاية عقده الثالث وبداية العقد الرابع تقريبا ، يتمتع بأخلاق عالية ، يشع الذكاء من عينيه الزرقاوين ، قليل الكلام فمعظم وقت فراغه يقضيه مع كتاب في يده وإذا تكلم تحدث بأدب ، عشت معه فترة من الزمن لا أتذكر أني رأيته متشنجا لأي سبب كان ، وحين يرى أي ممن هم حوله منفعلا يهدئه بالقول بأن الأمر لا يستحق الانفعال ، وبعبارة واحدة كان إنسانا مثاليا .
بعد إنهاء مرحلة التدريب العسكري 1979 عمل في مدرسة 12 أكتوبر مدرسا للرياضيات واللغة الفرنسية لبعض الأقسام الخاصة إلى غاية السنة الدراسية 1981-1982 حيث تم إيفاده ضمن بعثة للتكوين في مجال التدريس كنت من ضمنها وبعد عودتنا في العطلة الصيفية تم اختطافه في شهر سبتمبر 1982 ليختفي إلى الأبد حيت تمت تصفيته في معتقل الرشيد بعد أن صار مقعدا بفعل التعذيب الوحشي الذي تعرض له وأصبح يتحرك على مؤخرته بسبب الشلل النصفي الذي أصيب به ، خاصة أنه كان رحمه الله نحيف الجسم ، وهناك رواية عن بشاعة الطريقة التي قتل بها تقول بأنه جاء في ذلك اليوم لأخذ حصته من الغداء فنهره أحد الجلادين بأن ينقص الكمية التي غرفها من البرميل الذي يوجد فيه الطعام معللا أمره بأنهم يريدون تقسيم الطعام بعدالة على السجناء فرد عليه رحمه الله بأنه لو كانت هناك عدالة ما كان هو في هذا المكان وفي هذا الوضع ، وكان رده ذاك مفاجئا وغير متوقع بل يعتبر تحديا سافرا للجلادين فاستشاطوا غضبا ، وحين علم قائدهم بالأمر - وكان يومها المدعو محمد سالم السنوسي ( سالا زار ) – أمرهم برميه في حفرة الصرف الصحي لعرف معنى العدالة .
وللإمعان في الإهانة كانوا قبل اعتقاله قد سلطوا عليه رجلا ادعى أن والدة زوجته التي اقترن بها حديثا عبدة مملوكة له هي وابنتها ، وأنه إن أنجب منها فإن أولاده سيصبحون عبيدا له مثل أمهم ، وقد حدث بعلم ما يسمى السلطات الدائرية والولائية في مخيم الداخلة ، وهو أمر يعكس زيف الدعاية التي كانت تطلقها قيادة البوليساريو بأنها تحارب العبودية واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان .
ذات يوم قبل عدة سنوات التقيت في نواكشوط بشخص كان ضمن مجموعة من الصحراويين تعرف بمجموعة آكجيجيمات كان الجيش الاسباني قد اعتقلهم وبعد فترة تم تبادلهم مع أسرى اسبانيين لدى البوليساريو ، ويقولون إنه بدل تكريمهم رمتهم قيادة البوليساريو في معتقل لأسباب قبلية تتعلق بحرب قديمة بين قبيلتهم وإحدى القبائل التي ينعتونها بالنافذة ، وبعد سنوات من السجن أخرجوا للأعمال الشاقة التي ظلوا فيها إلى أن جاء الدور على القادمين من موريتانيا سنة 1982 خفف عليهم ولكنهم كانوا يجبرون على جلد القادمين الجدد خلال العمل ، وخلال لقائي مع هذا الشخص كنت قد سألته من ضمن أسئلة طرحتها عليه عن أصعب موقف عاشه خلال الفترة الطويلة التي قضاها في المعتقل هي منظر تغره ولد باباه وهو يزحف على مؤخرته وقد تحول إلى هيكل عظمي متحرك .
يتواصل ......