الاردن بين فكيّ السياسة والاقتصاد مع الغرب | صحيفة السفير

الاردن بين فكيّ السياسة والاقتصاد مع الغرب

اثنين, 27/02/2017 - 16:30

1- حدود دول سايكس بيكو وضعت لخدمة من رسمها وقالوا لنا موتوا للدفاع عنها.
عندما قسم الغرب العالم العربي الى دويلات تحكمها قبائل وعوائل بعد الحرب العالمية الاولى جاء في مذكرة وزارة المستعمرات البريطانية أنّ شرق الاردن الذي تم ضمه كملحق لدول سايكس بيكو في مؤتمر سميراميس في القاهرة  سنة 1921 سيكون دولةً ضعيفة الموارد الطبيعية وسوف يحتاج الى دعم مادي من بريطانيا العظمى.  الا ان هذا الدعم سيكون أجدى وأقل كلفةً من لو قامت بريطانيا العظمى  بالدور الوظيفي نفسه . وعندما تم تعيين  ألك كيركبرايد الممثل البريطاني في شرق الاردن كتب أن وظيفته هي  أن يكون  شرق الاردن دولة عازلة وموطناً  للفلسطينيين عند تنفيذ الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
كانت عجوزات الدولة منذ نشأته حتى العقد الأخير من القرن العشرين يتم تغطيتها من بريطانيا ثم الولايات المتحدة مباشرة أو عن طريق (حلفائها) العرب النفطيين.  بعد ذلك   قرر  الغرب تحميل جزء من هذه العجوزات  إلى الشعب الاردني   وثم ادخاله في برامج صندوق النقد الدولي وبدأت ديونه تتفاقم سنة بعد سنه الى أن زادت عن 90% من الناتج المحلي.
2- ” ارفعوا التسعير لا الاسعار”
قال بعض الخبراء أن حراسة الاردن لحدوده مع العراق ومنع عبور الجهاديين من وإلى العراق قد وفر ما بين 5000-10000 جندي أمريكي ليقوموا بالمهمة على الجانب العراقي من الحدود. وحيث  أن كلفة الجندي الأمريكي الواحد على جبهات القتال هي مليون دولار في السنه فان الاردن قد وفر 5 مليارات دولار في السنة كحدٍ أدنى على مدار 7 سنوات أي 35 مليار دولار  أي ما يعادل  المديونية الاردنية هذه الأيام. وبالرغم من مثل هذه  الخدمات على الحدود الاخرى والتي تزيد طولاً وديمومةً عن الحدود العراقية فإن هذه الخدمات الأمنية التي لا تقدر بثمن يقابلها جحود  وشح في  دعم الاردن ليبقى دائماً  على شفير أزمة إقتصادية  من قبيل الابتزاز. فلو أن الدور الأمني  هو  قضاء وقدر(ويجب أن لا يكون كذلك) ، فعلى الأقل  يجب على الاردن أن يطالب بمكافئته على دوره بعدالة.  ألم يتم شطب ديون هذه الدولة وتلك من مديونيتها مقابل خداماتها الأمنية في  حرب الخليج الاولى؟
3-  أصبح ثلث الشعب الاردني فقراء وفقراء عابرين ما يهدد الأمن الاجتماعي والسياسي
 منذ أن لجأ الاردن الى وصفات صندوق النقد الدولي كان هناك ثلاثة ثوابت:  زيادة في المديونية والفوائد لخدمتها، وبيع ممتلكات الدولة المنتجة لسداد العجوزات للمستوردات الإستهلاكية، ومزيد من قوانيين الجباية وما يلازمها من إرتفاع معدلات الفقر في المجتمع  إلى معدلات تزداد سوءاً سنة بعد سنة . و صندوق النقد الدولي يقوم بواجبه في عولمة الفقر والديون لتطويع اقتصادات الدول في خدمة اصحاب العولمة لتصبح  الدول ليست  أكثر من أدوات جباية لجمع فوائد القروض التي لا تنتهي أبداً.  فحسب  أخر إحصاءات البنك الدولي  فإن 16 % من الاردنيين يصنفون كفقراء و-17% كفقراء عابرين  ) أي من ينتسبون إلى الطبقة المتوسطه الدنيا ومن ينزلقون إلى مرتبة  الفقراء 3 شهور في السنة على الأقل .   ومع قوانين الجباية الأخيرة  فسيصبح الفقراء العابرون فقراء  ثم مساكين!
و كأن هذا لا يكفي فقد تم حصار الاردن تحت مسميات مختلفة تغيرت الاسماء والشيء واحدٌُ . لكن حصيلتها كان تسكير الأبواب على أكبر شريك إقتصادي  وهو العراق وكذلك الشريك السوري و اللبناني وما بعدهما. وكان القصد هو إبتزاز الاردن إقتصادياً لسلب خياراته السياسية في  أزمات دول الجوار.  ثم جاءت أفواج اللاجئين  من الاخوة السوريين  مصحوباً  بشحٌ من المساعدات حتى لمعالجة آثار الفتن التي سببها “الاخوة الالداء” .  كل هذا يأتي من حلفاء الاردن ومن الأصدقاء، وبمثل هكذا اصدقاء أصبح  الاردن ليس في حاجة الى الأعداء  .
4-  المشكله ليست في رئيس الوزراء هذا أو الذي قبله أو الذي قبل الذي قبله ، المشكلة في فرضيات النظام  ومفاهيمه.
يكتب  البعض أحياناً أن المشكلة هي في رئيس الوزراء هذا أو ذاك . المشكلة أن رؤساء الوزراء في دول العالم الثالث ليسوا أكثر من مدراء تنفيذيين حيث أنّ عصر العولمة يمتلك فيه صاحبها برسم الخطوط العريضة للسياسات الاقتصادية بل والسياسية. لذلك يمكن تسمية عصرنا هذا بعصر السيادة المنقوصة للدول. فسياسات  صندوق النقد الدولي وبرامجه  هي عابرة للقارات وللحكومات . حتى ما تسمى بالدول الكبرى أصبحت منقوصة السيادة . فمثلاً عندما اعترض وزير الدفاع الفرنسي سنة 1990 على تحويل خطة الدفاع ( درع الصحراء ) الى خطة الهجوم (عاصفة الصحراء) جاء وزير الخارجية الامريكي  جيمس بيكر الى باريس في الصباح  واجتمع مع الرئيس ميتران ورجع  الى واشنطن عند الظهر وتمّ إقالة وزير الدفاع من منصبه وصار ميتران بعدها متراً ونصف .
المطلوب هو الاعتراف بأن اللجوء الى نفس الحلول التي زادت السوء سوءاً والمديونية ارتفاعاً وجيوب المواطن ارهاقاً والخروج من هذا الطوق  الى  حلول أخرى ( خارج الصندوق) وبالطبع لن  يكون أمر الخروج من النظام الغربي سهلاً لكن البقاء ضمن هذا الامر الواقع غير قابلٍ للبقاء .
5-  هذا ما لا نتمنى للاردن  مثله : المكسيك وصندوق النقد الدولي
قامت المكسيك بكل ما هو مطلوب منها لكي تبدو منسجمة مع مبادئ اقتصاد السوق الحرة .  وقد أنيطت ادارة الاقتصاد في البلاد الى مواطنيين مكسيكيين تلقوا تعليمهم على أيدي الاميركيين ، وكان كل همهم ارضاء هؤلاء الذين نصبوهم في مواقعهم فحرروا الاقتصاد ووضعوا خطط خصخصة شاملة وضخمة وحرروا الاسواق المالية وألغوا الحواجز التجارية وقلصوا الدعم الحكومي الذي تقدمه الدولة للشعب وأصبحت المكسيك ايضاً عضواً في الاتفاقية الخاصة بالتجارة الحرة لدول اميركا الشمالية.. وقد ظل مستوى المعيشة بالنسبة للمكسيكيين في تراجع طيلة ثلاثة عشر عاماً في ظل تطبيق سياسات واصلاحات الصندوق .
عندما كانت اسعار الفائدة في الولايات المتحدة متدنية وكانت في المكسيك مرتفعة بدأت الصناديق الاستثمارية في الوول ستريت بالاستثمار في السوق المالي المكسيكي مما ادى الى فقاعةٍ وارتفعت الاسعار حوالي 3 اضعاف خلال 3 سنوات ولما ارتفعت اسعار الفائدة في الولايات المتحدة بدأ المستثمرون يسحبون استثماراتهم فجأة وبدون سابق انذار مما ادى الى نضوب احتياط العملة في المكسيك وبالتالي انخفاض العملة المكسيكية الى النصف مما ادى الى ازمة حادة . كتب البروفسور الامريكي في ITM ليستر ثورو ان أحد احسن الحلول كان أن تتوقف المكسيك عن الدفع ولكن حلول وول ستريت ووزارة الخزانة الامريكية كانت ضرورة استدانة المكسيك عبر صندوق النقد الدولي للوفاء بما تبقى للمستثمرين الامريكيين من اموال داخل المكسيك . ولكن ما هي الشروط التي رافقت حقيبة الانقاذ هذه ؟

يجب على المكسيك ان تخضع سياساتها المتعلقة بالعرض النقدي ، الانفاق المالي، الاقتراض الاجنبي في المستقبل والائتمان المحلي الى الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة .

يجب على المكسيك ان تبيع افضل ما لديها من موجودات مثل الموانئ ، السكك الحديدية ، البتروكيماويات ، الاتصالات …الخ .

على المكسيك ان تودع كافة ايراداتها النفطية لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك . بعد تأميم المكسيك لبترولها سنة 1939 حاولت الولايات المتحدة بكل وسائل الاستعمار القديم  من إبطاله ففشلت، ولكن بواسطة الاستعمار الجديد  نراها قد نجحت.

اما النتائج التي تلت توقيع هذه الاتفاقية عام 1995 فكانت :

تقلص الاقتصاد المكسيكي بواقع 7 % .

زيدت ضريبة القيمة المضافة الى 15 % .

تم تخفيض الدخل الحقيقي بواقع 33 %.

أصبحت نسبة 30 % تقريباً من كافة القروض في البلاد غير منجزة – لا تسدد في مواعيدها .

أجبرت المكسيك على تغيير قوانينها للسماح لأجانب بتملك بنوكها الوطنية.

آل الى الانهيار ثمانية من أصل اضخم ثمانية عشر مصرفاً رئيسياً في البلاد واصبحت الحاجة ماسة لانقاذ الباقي على يد الحكومة .

اعلنت بعض الشركات الكبرى افلاسها وبلغ مجموع الشركات التي انهارت ما يزيد عن 8000 شركة .

سجلت اسعار الوقود زيادة بنسبة 48.5 % .

زيدت اسعار الطاقة الكهربائية بنسبة 32 % .

أقدمت عائلة احد المزارعين الذي توفي عندما استولى البنك على ارضه جراء اخفاقه في تسديد القرض ، على احضار جثته الى البنك احتجاجاً ، قائلة انه يمكنهم اخذ جثته تسديداً للدين .

سجلت الجريمة تصاعداً كبيراً في معدلاتها .

وتم دفع 10 % من اجمالي الناتج القومي للمكسيك كفوائد على الديون .

6-  قال انشتاين: لا يمكن حل المشاكل من نفس  العقول التي سببتها.
وقال ويليس هارمن (Willis Harman): “إن النظام الحالي شأنه شأن المريض الذي يذهب الى الطبيب فيقول للطبيب انه يقاس من عمله الذي يضنيه، لكنه يحب ما يتعاطاه من الكحول في المساء فهي تنسيه هموم النهار، وهو يدخن ثلاث علب سجائر في اليوم وهو يطلب العلاج ولكن دونما أي تغيير في عمله او شربه او دخانه! ويبدو ان مجرد الترقيع في النظام لم يعد كافياً”. ويضيف “ويتعمق شعور الشعوب في العالم الحالي بأنهم أصبحوا بلا حول ولا قوة.. وهم في أكثر الاحيان يعزون تلك المشاعر لاخفاق سياسات قوى النفوذ او الى اليساريين المتعصبين، أو الى الرأسماليين الجشعين. ولكن حقيقة الامر هي أعمق من ذلك وتتطلب تغييراً عميقاً أساسياً في المفاهيم والافتراضات (للنظام نفسه)”.
7-  للخروج إلى نظام ما بعد الغرب: من يعلق الجرس ؟
هناك طريقان:
الأول  البقاء داخل النظام الغربي الرأسمالي مكرهٌ اخاك لا بطل  ولكن محاولة اللعب ضمن مبادئ السوق بما يتعلق في تسعير الخدمات الاردنية والمطالبة بشطب المديونية لقاء الاجحاف في الاسعار السابقه . وعليّنا في هذه الحالة ترشيد ادارتنا لاستغلال مواردنا المادية والبشرية بكفاءة ، ومحاربة الفساد ، وترشيد سياستنا الخارجية. فما شأننا في ارسال طائراتنا لقصف أفقر فقراء العرب في اليمن ؟ وما شأننا في الاصطفاف مع المحاور المذهبية التي تبطن ما لا تظهر ونحن افضل من تعايش مع مختلف الاديان والمذاهب داخل اوطاننا ؟
أغلب الظن عدم رضا الغرب عن أي ترشيد. وعندئذٍ يأتي الطريق الثاني وهو الخروج من النظام الغربي . وستجد القيادة اصطفاف الجماهير معها عندما تعلم أن المعركة هي معركتها لتخفيف الاعباء عنها و لتحريرها من القيود علماً بأن الشعب هو السند الحقيقي لأي حاكم .
لن يكون الاردن  أول الخارجين ولا آخرهم. نظام الغرب جاء بالويلات والحروب ونهب الثروات وعولمة الفقر.  دول البريكس  والتي تكاد تمثل نصف سكان الكرة الأرضية بدأت بالخروج الى نظام ما بعد الغرب وسيجد الاردن عند خروجه سنداً .  إنتخاب ترامب  كان من نصف المجتمع الأمريكي الذي يريد التغيير حتى ولو إلى جهنم ترامب. لن يكون التغييرُ سهلاً لكن  البقاء في نظام الغرب غير قابلٍ للبقاء بل هو الانتحار بعينه .
    

 

د. عبد الحي زلوم

مستشار ومؤلف وباحث