
بعد أن أبدى سياسيون ومثقفون إعجابهم بالرئيس الموريتاني السابق ولد محمد فال، الذي سلم السلطة طواعية إلى رئيس آخر، وأشادت به صحف مصرية معارضة معتبرة أنه نموذج عربي قلما يتكرر، حيث تنتهي ولاية أي رئيس عربي بالموت غالبا، سعت صحيفة مستقلة مصرية للقاء الرئيس الموريتاني لإلقاء الضوء أكثر على تجربته في "التغيير" في موريتانيا.
وفي حوار مهم معه بأحد فنادق العاصمة القطرية الدوحة، على هامش "الملتقى الثاني للديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي" مع صحيفة "المصري اليوم" كشف الرئيس الموريتاني عن أسرار مهمة أبرزها أنه تلقى إنذارا أمريكيا بعد قيامه بالانقلاب على الرئيس السابق، وطالبته واشنطن بإعادة الأمور لما كانت عليه ولكنه رفض، كما رفض نصيحة مستشاريه بالبقاء في السلطة، وأصر على تسليم السلطة وإجراء انتخابات ديمقراطية لأن غرضه كان "التغيير" لإنقاذ البلاد من مصير خطير يواجهها، وليس "الانقلاب" والاستئثار بالسلطة.
تغيير وليس انقلابا
يشدد الرئيس ولد محمد فال، على أن "تحركه" العسكري لإزاحة الرئيس السابق ولد الطايع -يسميه تحركاً وليس انقلاباً- لأنه بعد 19 شهراً ترك السلطة، وسلم الراية لرئيس جديد بمحض إرادته دون أدنى ضغوط، جاء بعدما تفاقم الوضع في بلاده وأصبح ينذر بـ"حرب أهلية" إذا لم يتم التدخل وإصلاح الأمور وتحول الوضع في عهد الرئيس السابق إلى درجة لا يمكن السكوت عليها.
وقال إن "الحرب الأهلية" التي يتحدث عن إمكانية وقوعها كانت بسبب أنه "كان هناك فريقان: الفصائل التي تؤيد بقاء النظام بالشكل الذي كان موجوداً، والأخرى التي تسلحت من الخارج، وحاولت عمل انقلاب وفشلت ثم خرجت من البلاد وعادت مرة أخرى، وحاولت من جديد عمل انقلاب على أساس طوائف سياسية، والقضاء على النظام بالقوة والسلاح، وهذا ما كنا نتخوف من أن يؤدي إلى جر البلاد لحرب أهلية".
وقال: "إن بعض الناس أطلقوا على ما قمنا به في أغسطس 2005 انقلاباً عسكرياً لكننا في موريتانيا نسميه تغييراً" مؤكدا أن "التغيير كلمة لها معناها وهو يتناقض بصفة تامة مع كلمة انقلاب، نستعمل كلمة تغيير لما جرى في موريتانيا، كان الشعب الموريتاني يتساءل قبل 2005 عن وضعية الاحتقان السياسي الموجود في البلاد، وكل الموريتانيين بسطاء أو لاعبون سياسيون أو مجتمع مدني كانوا متأكدين أن أسلوب الحكم الموجود في البلاد لم يكن قادراً على تغيير الأمور أو خلق سباق لاتجاه جديد يعطي حلولاً.. وبالتالي تمنى كل الموريتانيين أن يكون هناك تغيير في البلاد" حسب قوله.
الشعب غير ناضج
وكشف الرئيس السابق ولد محمد فال، النقاب عن أن بعض مستشاريه والمقربين منه نصحوه بعدم التخلي عن السلطة بحجة الحفاظ على الاستقرار، أو أن الشعب الموريتاني لم ينضج ديمقراطياً بعد، وأكد أن "هذا الأمر هو الذي يفشل كل الحركات الوطنية ويقتل أي خطوة في اتجاه الديمقراطية".
وأكد أنه "طوال الفترة الانتقالية كان هناك من يردد على مسامعنا ما من حقكم أن تخرجوا البلد من مأزق وتدخلوه في مأزق جديد، والشعب الموريتاني ليس جاهزاً لهذه الخطوة (تسليم السلطة) ولماذا تفرطون في البلد والشعب ليس جاهزاً للديمقراطية" مؤكدا أن "هذه الأطروحات سمعناها وعرضت علينا يومياً، وهذا الأسلوب هو الذي يفشل كل الرغبات في التغيير؛ وبالتالي رفضناه، وصممنا على أن لا يوجهنا أحد في غير الطريق الصحيح، وكنا صارمين في تحديد أهدافنا، ولم نسمح لأي مزايد أن يثنينا عن توجهنا نحو الديمقراطية" حسبما أفاد.
وحول سؤال يقول إن التخلي عن السلطة وترك القصر الجمهوري يحتاج إلى شخصية من نوع خاص وبالذات في عالمنا العربي، وسر شخصيته التي جعلته قويا في مواجهة هذا الإغراء، قال: "هناك أمران في هذه القضية، فعندما يستولي إنسان على السلطة تتولد لديه فكرة جديدة هي ضرورة بقائه في السلطة ويلتف حوله من يوهمونه بأن وجوده فيها ضروري وأنه الرجل الوحيد الضروري للدولة، وأنا أرى أن الله وحده هو الضروري ولا يوجد أي إنسان ضروري، ولابد من انتهاء هذه الأطروحة، فلا يوجد شيء اسمه الرجل الضروري والرجل الإلهي والحاكم المقدس والرئيس الملهم، وإذا لم تخرج منطقتنا من هذه الدائرة سنقع في المأزق نفسه".
أمريكا والانقلاب
وحول ما إذا كانت قد جرت اتصالات بجهات خارجية قبل قيامه بالتحرك العسكري، لإسقاط النظام السابق من أجل تأمين التحرك وعلى وجه التحديد أميريكا قال الرئيس السابق: "أمريكا أعطتني إنذاراً وطالبتني بالتخلي عن السلطة وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، والسماح للرئيس السابق بالعودة للحكم وهذا ينفي أي احتمال للاتصال بأميركا أو العالم كله -أوروبيين وأفارقة- وتكرر الموقف الأمريكي نفسه في الأسبوع الأول من الحركة، وكلهم وقف ضدها وسموها انقلاباً واستيلاء على السلطة بطريقة غير شرعية ولكن بعد أن عرفوا أن القضية تخص كل الموريتانيين وأنها قضية شعبية، غيروا مواقفهم وبدؤوا يتعاملون مع الوضع بطريقة مختلفة".
أما عن الضغوط الأمريكية من أجل "دمقرطة المنطقة" أو ما يعرف بالشرق الأوسط الكبير، فأكد ولد محمد فال أنه "لا توجد أي إمكانية لنشر الديمقراطية في أي دولة بضغوط خارجية أو بالقوة الأجنبية.. فالشعب هو الذي يعرف مشكلاته ويعرف حلولها المناسبة لها ولتقاليده وعاداته، حتى إذا وصلت القوى الأجنبية إلى أي حل فلن يكون حلاً مناسباً للأجندة الوطنية".
العلاقات مع إسرائيل
وحول موقفه من إقامة علاقات مع إسرائيل، خاصة أن موريتانيا هي الدولة العربية الوحيدة -خارج دول الطوق- التي تقيم علاقات مع إسرائيل، قال إن "موريتانيا ليست الدولة الوحيدة التي تقيم علاقات مع إسرائيل، وموريتانيا كان لها موقف واضح من القضية الفلسطينية ومن الصراع العربي الإسرائيلي، وكان الخط الواضح لها في الستينيات هو المجابهة والتحرير بالسلاح؛ لأن أطروحة المواجهة هي التي كانت مطروحة في ذلك الوقت، ومادام الموقف قد تغير والأساليب قد تغيرت والأطروحات قد تبدلت والدول العربية المعنية غيرت مواقفها واتجهت اتجاهاً جديداً.. غيرت موريتانيا مواقفها مواكبة لهذا الاتجاه الجديد، والموقف الموريتاني كان نابعاً من موقف منظمة التحرير الفلسطينية؛ وطالما أن منظمة التحرير الفلسطينية غيرت مواقفها واتجهت نحو العمل السلمي والتفاوض -وكذلك الدول الأخرى المجابهة لإسرائيل- فقد اختارت موريتانيا هذا الحل أيضاً وقدمته بصفة رسمية واضحة وهذه ليست قضية موريتانية ولكنها توجه عربي جديد"، حسب قوله.
إرشيف السفير
العدد 528
05 يونيو 2007