وفي المساء بينما كنت أستعد لدخول الحمام من أجل الاستحمام نادى علي وقال لي بأنه تذكر الاسم العائلي لرئيس المحكمة وهو ( أمين ) فعرفت على الفور من خلال الاسم العائلي أنه أحد أخوالي لم يسبق أن رأيته في حياتي ولكني كنت أسمع وأنا صغير الناس يضربون المثل في طول المدة الزمنية التي قضاها وهو يدرس في المدارس الأهلية ، فعرض علي أن نقوم بزيارة له في داره فوافقت دون تردد لأنني أدركت يقينا أن مشكلتي حلت .
حين أوقفنا السيارة أمام الباب كنا نري من فوق الحائط الذي كان قصيرا جماعة متحلقة في البهو حول الشاي وبمجرد دخولنا تعرفت عليه من بين الحاضرين وبعد السلام عرفته على نفسي فقام وعانقني وبدأ يسألني من جديد عن حالي وكيف وصلت وما ذا يريد الدرك مني ، وخلال سردي للقصة عليه كنت أرى علامات الفرح على وجه نائب قائد الدرك الذي يبدو أنه كان يصدق روايتي ولكن طبيعة عمله كرجل أمن تفرض عليه يتحقق من هويتي بشكل قاطع ،وكان قد قال لي ونحن في الطريق بأن علاقتهم برئيس المحكمة وطيدة وأثنى عليه كثيرا مشيدا بأنه حل الكثير من النزاعات التي كانت مستعصية في المدينة مما أكسبه سمعة طيبة في كامل ولاية آدرار .
لما انتهت جلسة الشاي والتي كان الحديث المسيطر عليها هو قصتي وغرابتها عند الحاضرين وقف الدركي وخاطبني بأن علينا أن نذهب فرد عليه خالي (أبابه ولد أمين) في هدوء بأني لن أذهب معه وأن ذمة الدرك قد برئت مني ، عنها لم يزد على أن تبسم وقال موجها كلامه لي ، الحمد لله ،لقد اخترت خالك عنا ، الأمر الذي يعني أنه بالفعل لم يكن يرغب في تعطيلي عن الالتئام بالأهل بعد أن سمع قصتي الحزينة ولكنه كان يريد أن يضمن أن لا تكون لي قصة أخرى قد تكون تداعيات أمنية .
وبعد أن تمنى لي سفرا سعيدا ورحل وأصبحت تحت رعاية خالي وفي ضمانته أحسست أن كابوسا ثقيلا كان على صدري قد انزاح ، ويعود ذلك الكابوس إلى أني كنت مرعوبا طوال الوقت من أن يحدث طارئ ما أعاد بسببه إلى الجحيم الذي لم اكن أصدق أنني سأخرج منه ، ولي من القصص المشابهة ما يبرر ذلك الرعب فقد سبق خلال حكم ولد هيدالة أن تمت إعادة أناس فروا من مخيمات تيندوف إلى موريتانيا بدعوى أنهم صحراويون مطلوبون لدى سلطتهم ، ومن المعروف حسب ما تم تداوله في المخيمات أنهم تبخروا بعد أن تسلمتهم قيادة البوليساريو ، وقبل ذلك اختطفت تلك القيادة شخصا يدعى محمد بانبي من ضواحي نواكشوط ليقضي ما يقرب من عقد من الزمن في معتقلاتها النازية مما يثبت أن مقولتها بطول اليد تحمل شيئا من الحقيقة بفعل تعاون النظام الموريتاني معها في تلك الحقب السوداء من تاريخ المنطقة ككل وبفعل صمت النظام الجزائري الحاضن لها بالرغم مما قيل عن تحقيق قام بها ضباط مخابرات جزائريون حول الادعاء بوجود شبكة من الجواسيس الموريتانيين وخروجهم باستنتاج أنه يستحيل أن يكون للموقوفين أي مؤهل كي يكونوا مخبرين ، وأن هذا الاستنتاج دفعهم لتقديم نصيحة لقيادة البوليساريو بأن يطلقوا سراح كل الموقوفين وأن يعملوا على جبر الضرر الذي لحق بهم تفاديا للأخطاء التي وقعت فيها الثورة الجزائرية ضد بعض أبنائها ، وهو الأمر الذي لم تعبأ به القيادة .
يتواصل .......