“أعتقد أنه يجب أن نكون حذرين في استخدامنا لعبارات مثل هذه، فهي محمّلة بمعاني تختلف من مجموعة إلى أخرى. عليك ألاّ تصف عقيدة بعينها بالتطرّف”!! الجنرال ديفيد بتريوس.
نصح الجنرال ديفيد بتريوس، Gen. David Petraeus ، والمدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية الرئيس دونالد ترامب، Donald Trump ، أن يكون حذرا عندما يستعمل عبارة ”الإرهاب الإسلامي، Radical Islamic Terrorism“. عبارة حمّالة أوجه، كثيرا ما يحلو لترامب إدراجها في خطبه ومحادثاته، في إشارة ومن دونها إلى تنظيميْ داعش والقاعدة.
بهذه المواعظ البترويسية، توجّه “الجنديّ المثقف، “Warrior Scolar” ومهندس “صحوات” العراق وعرّاب “الصولة” إلى ترامب، معتبرا أن التطرّف الإسلامي ليس “مظلّة شاملة يمكن من خلالها وصف تنظيمات إرهابية محدّدة مثل داعش والقاعدة”!
باتريوس “الحريص جدّا على العقيدة الإسلامية، وعلى مشاعر المسلمين”!!، من أصل هولندي، وُلد سنة 1952 والتحق بواست بوينت المرموقة، West Point، سنة 1974، حصل على شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة برنستون العريقة Princeton، حول دروس حرب فيتنام، “The American Military and the Lessons of Vietnam: A Study of Military Influence and the Use of Force in the Post-Vietnam Era”، كان وراء فكرة “الصولة Surge ” التي مكّنته من إضافة عدد جنوده وتحقيق بعض التقدّم بالعراق.
قرّر ديفيد باتريوس يومها إعادة النظر في العقيدة العسكرية الأمريكية مستأنسا، حتى لا نقول، ناقلا حرفيا لما ألّف ديفيد غالولا، David Galula، صاحب كتابيْ: “إحلال السلام بالجزائر،Pacification in Algeria 1956-1958 والثاني والأبرز الذي تبنّاه الجنرال واعتمده كمرجع رئيس خلال صياغة “دليل مقاومة التمرّد”. حيث قام فقط بتحيين ما جاء فيه مضيفا ما لم يكن متوفّرا لغالولا من دعم لوجستي وتقني متقدّم وما وفّرته الثورة المعلوماتية من إمكانات، حتى أنّه ألزم كل فريق عمله وضبّاطه بالإطّلاع عليه والنّهل من تعاليمه. كتاب مقاومة التمرّد، النظرية والتطبيق،ِCounterinsurgency warfare : theory and practice ، والذي خُطّ سنة 1964 ولم يُترجم إلى الفرنسية إلاّ سنة 2008 أي سنتين بعد صدور عقيدة باتريوس!
الجنرال الأمريكي الذي يتمنّى على ترامب عدم وضع الإسلام والمسلمين في خانة “التطرّف الإسلامي”، هو صاحب إستراتيجية عرّفها بأنّها إستراتيجيا “أفعى الأناكوندا، Anaconda” التي تعمل على “خنق حركات التمرّد -إقرأ التحرّر- وذلك باعتماد مقاربة شاملة تجفّف مصادرها وتقطع خطوط دعمها اللّوجستي وتصفّي قادتها وتعزل العناصر المتشدّدة من المتمرّدين عمّن يمكن “تأليف قلوبهم” وتجنيدهم واستيعابهم. موضحا: ” أن الأفكار الكبرى” حول العيش بين السكان وكسب قلوبهم وعقولهم فرضت نفسها وأدّت إلى اعتماد مناهج تدريب جديدة”. تحت إسم: دليل مكافحة التمرّد، COunterINsurgency Field Manuel،FMFM 3، أو ،COIN، إختصارا، صدرت هذه الوثيقة بتاريخ 15 ديسمبر 2006، ووردت في 220 صفحة و8 فصول تناول فيها بالتحليل التوصيات الواجب اتباعها ونماذج الإشتباكات والخطوط العريضة لقيادة العمليات والتطبيقات العاجلة لإنجاحها. وكان قد جمع لها “فريقا من المتمرّدين على التقاليد، يشمل مجموعة من الضبّاط المستعدّين للتفكير خارج الإطار التقليدي”. وتحتوي ستراتيجيته على 3 عناصر: هجومية ودفاعية وأخرى تثبيتية، تتوقّف ثلاثتها على عوامل منها: مدى كسب ودّ الأهالي ومشاركتهم، حتى أنّه أوصى بوضع ملصق بمقرّات ضبّاطه كُتب عليه: “ماذا فعلت اليوم لكسب قلوب العراقيين؟، بالإضافة للواقع والساحة والإمكانات والمهمة.
كسب قلوب العراقيين؟! سلوا أهالي العراق وماجداته عمّا خلفته استراتيجيته من مآسي لا يزالون يحملون أوزارها!
كتاب غالولا تُرجم على يد دار النشر إيكونوميكا، Economica، مع توطئة بإمضاء ديفيد باتريوس نفسه! ترجمة خلت طبعا من كل قذف للإسلام وتعدّيه على حرمته ليس حبّا في الإسلام والمسلمين طبعا، ولكن فقط لإعتبارات،”كسب العقول والقلوب” وبعضا من الصوابية السياسية، Politically Correct!
هربرت ريموند ماكماستر، H.R. McMaster، مستشار ترامب للأمن القومي قد أعرب، هو الآخر، عن وجهة نظر مماثلة، ناصحا رئيسه بعدم استخدام تعبير ”الإرهاب الإسلامي“، موضحا أن “الإرهابيين مثل عناصر داعش لا يمثّلون الإسلام، وأن استخدام هذا التعبير يسيء إلى المسلمين، الذين تحتاج الولايات المتحدة إلى العمل معهم، للقضاء على أيدولوجية التطرّف”!
نصيحة ماكمستر تجاهلها ترامب، أو كاتب خطابه، ليُستخدم هذا المصطلح مرة أخرى أمام الكونغرس، ولا يزال المستشار “يأمل في إقناع الرئيس لتخفيف لهجته حول هذه القضية في الأيام القادمة”!
ينسى ماكمستر أو يتناسى ما كانت كشفته مجلة “وايرد، wired ” الأميركية من عروض لكلية القيادة والأركان المشتركة وتقارير تبيّن خطة “للحرب الشاملة” على المسلمين، في وقت قيل لنا يومها أن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، دمبسي يستهجن بعضها وأمر بإزالة بعضها الآخر. نذكر منها على سبيل الحصر، البرنامج المسمّى: “وجهات نظر حول الإسلام والتشدّد الإسلامي”، والذي درّسه لسنوات، العقيد ماثيو دولي، Michael A. Dooley، قبل أن تُحذف. ماثيو دولي كان يوصي يومها ضباطه “أنّ الولايات المتحدة في حالة حرب مع الإسلام”، مدرجا فرضيات “تدمير المدن المقدسة للمسلمين مثل مكة والمدينة من خلال هجمات نووية أو بقصف مكثف على غرار ما تعرضت له مدينة دريسدن الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية، ما دامت معاهدات جنيف الخاصة بالصراعات المسلّحة لم تعد صالحة للتطبيق في وقتنا الحالي! ” هذه تعاليم الجيش النظامي، فكيف بهذا الذي لم يتورّع أن يقول لمن يُفترض أنهم حلفاء دولته “أنتم لا تملكون غير المال ولا وجود لكم بدونها”؟!!!
نبيل نايلي*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.