لا شك أن حرية التعبير عن الأفكار والآراء مصانة ومعروف أنها جزء أساسي من حقوق المواطنين ولا ينبغي إسكات صوت أي مواطن؛ شريطة عدم ترتب الضرر عن ما يصدر منه، وطبعا تختلف ماهية الضرر وطرق التعامل معه و مع ما ينجر عنه حسب الطبيعة والظرفية والخصوصية وتقدير مآلات
الأمور ممن يخولهم القانون ذلك..
إن ما يدور الآن في بلادنا من حديث رسمي وشعبي حول التعديلات الدستورية وطبيعتها وما ستفضي إليه بعد إقرارها؛ جعل نواب الجمعية الوطنية -ممثلي الشعب- منقسمين إلى فسطاطين،
فسطاط مساندة و تأييد و فسطاط رفض وتنديد.
المؤيدون للنظام يرون تمام الإيجابية في النقاط المقدمة؛ ويضربون الأمثلة لذلك ومنهم من وفق في ذلك كثيرا وسانده العزو والمقارنة والتشبيه بتجارب دول الجوار؛سواء تعلق الأمر بتغيير *الدستور* نفسه أو بخصوص *العلم* ذاته، والأمثلة التي قدمت كثيرة؛
ومن المؤيدين من احتاج إلى البيان و وضوح الاستدلال واتضح ان البعض حرم فصل الخطاب!!
المعارضون للتعديلات الدستورية لا يرون أدنى جدوائية في هذه التعديلات المقدمة بل منهم من ذهب إلى أنها ضرر ما بعده ضرر ومنهم من ذهب أبعد من ذلك و أدخلها متاهات فكرية ومنهم من ربطها بالدين توظيفا واستشهادا ومنهم من طوع الأدلة وولد التزكية ومنهم من صرف الخصائص وابدل المميزات وانكر المحامد..!؟
إن كل ما حدث ودار من نقاش حول تغيير الدستور
وكل ما صدر عن السادة النواب من تهافت الآراء بنقض بعضها لبعض وتنافرها التام؛ ليؤكد بجلاء أن أن بعض الموالين متزن في طرحه صادق مع نفسه ووطنه ومنهم من يبالغ في موالاته..
ومن المعارضين كذلك منصفون ومنهم من يبالغ في المعارضة والإنكار والرفض لكل ماهو قادم من جهة السلطة؛ ينزع المحامد من المحمود ويلبس الإيجابي ثوب السلبية ويسلب الإفادة من المفيد ويشحنه بوهم الضرر!
لقد لفت انتباهي كثيرا كم استهلكت ألوان العلم بالذات من وقت وأفكار وطرح ومواقف! ؛
لقد ظهر التوظيف غير البريء للنصوص الشرعية؛ محاولة لاستجاشة عواطف المواطنين
واستغفالهم باسم الدين، نظرا لطيبة المواطن الموريتاني وثبات قناعته واحترامه لنصوص الشرع إن هي ذكرت.. لقد ذكر أحدهم الألوان و ذاب في مدح بعضها وذم الآخر، واكتفى بالذكر في القرآن الكريم دون تحديد طبيعة الذكر مكتفيا بذلك لأن غايته أن يسمع السامع أن نص القرآن فيه كذا، والقرآن هو كتابنا الجامع المنزل من عند ربنا وفيه خبر أخيارنا واشرارنا وفيه ذكر إبليس وفرعون..وهل بمجرد الذكر تحصل الأفضلية؟!
لقد انهال هؤلاء على اللون الأحمر ذما لا لعلة ملازمة ولكن لغاية سياسية حزبية آنية! ولقد ثبت عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من حديث عبد الله ابن عامر عن أبيه قال: "رأيت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي أمامه يعبر-أي يردد كلامه ليوصله الناس-
-وحديث البراء قال: "ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين،لم يكن بالقصير و لا بالطويل" رواه الترمذي.
وعن البراء أيضا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه ورأيته في حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه" رواه أبو داوود.
وروى البيهقي في السنن أنه عليه الصلاة والسلام كان يلبس يوم العيد بردة حمراء.
-وإذا انتقلنا إلى دم الشهداء فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حديث البخاري؛ الذي جاء فيه حدثنا عبد الله ابن يوسف اخبرنا مالك عن ابن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك.
وقال -صلى الله عليه وسلم لقتلى أحد زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمي لونه لون الدم وريحه ريح المسك.. والأحاديث فى ذات المعنى كثيرة جدا، المهم أن الذين يأخذون من الألوان وسيلة للتقريب والتنفير
إنما يغالطون الناس ويخدعونهم.
على معاشر الساسة أن يفهموا أن المواطن البسيط ليس لعبة لديهم يشحنون ذهنه بما أرادوا متى وكيف ما شاءوا.
فلنكن صريحين مع المواطنين صريحين مع ذواتنا محكمين لضمائرنا متحررين من خلفياتنا وارتهاناتنا السياسية الحزبية الضيقة التي يسترخص في سبيلها الدين والوطن والقيم باسم الدين والوطن والقيم والمصلحة؟!.
نحن المواطنون البسطاء لا يهمنا من يحكم ولا نتعلق بحكومة دون غيرها؛ لكننا ننشد الأمن، نطلب الاستقرار، نحلم بالعيش الكريم بهدوء وسلام ونعي تماما أن الله قسم أرزاق العباد لحكمته -جل وعلا- وكلنا راض بحظه ونصيبه،يبحث عن رزقه بهدوء أخذا بالأسباب لا غير ولا يهمنا الثراء ولا التربح الذي اتسمت به أغلبية التحركات السياسية والتوجهات الحزبية المخفية..
وهنا نطرح الأسئلة التالية:
-هل يوجد في بلادنا رئيس حزب سياسي فقير يتقاسم مع الفقراء لحظاتهم الصعبة ويتقاطع معهم في الحالة والوضعية؟
- أو ليس المحيط الضيق لرؤساء الأحزاب و الفاعلين السياسيين باختلافهم يميل إلى المخملية أكثر بل يعيشها غالبا؟!
-هل سمعتم يوما برئيس حزب سياسي أحصى ثروته وتقاسمها مع المحتاجين من شعبيته الذين هم سر وجوده وبقائه السياسي؟
-هل يوجد فيهم من قدم لهم ذات يوم سيارته، داره ملابسه، طعامه..
نحن شعب يعيش نفاقا سياسيا غير مسبوق؛ بالرغم من براءة المواطنين، يتنامى فينا المكر السياسي والخداع النخبوي، نعلن الجامعية ونخفي الأحادية، نظهر حب ظهور الدولة ونخفي إحياء وإنعاش القبلية، المسؤول مشغول بما وراء التعريف العادي حبا في الاطلاع على الخلفية، الكل مساهم في تفاقم الظاهرة التي تنذر بحصول أسوأ الكوارث الاجتماعية إن ظل المسار على نفس المنوال!
فلنترفع عن سفاسف الأمور ونرتقي بأخلاقنا عن الحسابات الضيقة والتناقض الذاتي ولنبادر بإصلاح ما أفسدناه ولنوقف اتهام الزمن!؟
-نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.
عثمان جدو