مناسبتان… وعبر | صحيفة السفير

مناسبتان… وعبر

ثلاثاء, 21/03/2017 - 12:35

فيما كان الوطنيون اللبنانيون ومعهم الثورة الفلسطينية يستعدون لاحياء الذكرى الاولى لاستشهاد الزعيم كمال جنبلاط رئيس الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية (16 اذار 1977)، كان جيش الاحتلال الصهيوني يتقدم في جنوب لبنان ويصل إلى مشارف الليطاني في اكبر عملية غزو للبنان حتى ذلك العام (اذار/ مارس 1978)…
واذا كان الكثير منا (وبسبب التطورات الدامية والدراماتيكية التي تحيط بنا لا سيما في سوريا والعراق ولبيبيا واليمن، والانقضاض التشريعي اللبناني على احوال اللبنانية المعيشية) قد قفز فوق المناسبتين الهامتين ما عدا بعض الاحتفالات المحدودة، فان واجبنا ان نتذكر الاغتيال والغزو كجزء من حرب ما زالت مستمرة على وجودنا كلبنانيين وفلسطينيين وعرباً من المحيط إلى الخليج…

بين اغتيال جنبلاط وغزو الجنوب خيط رفيع واضح الدلالات، وهو استهداف المقاومة الفلسطينية بواحد من ابرز المدافعين عنها، وبقواعد تمركزها يومها في الجنوب اللبناني…. اذن في الحالتين المستهدف هو فلسطين ولبنان، والتلازم بين الوطنية والمقاومة….

بين الاغتيال والغزو، اتضحت للقاصي والداني طبيعة المخطط الصهيو – استعماري ضد لبنان وفلسطين ومن خلالهما المنطقة بأسرها، وهو مخطط له ركيزتان الاولى: اشعال الفتنة الاهلية العربية وادامتها ، والثانية: تقسيم بلد عربي كلبنان تقسيما صريحا مع اعلان دويلة سعد حداد في الشريط الحدود جنوباً، ومع عملية اغتيال النائب الشهيد طوني سليمان فرنجية وزوجته وابنته وعدد من اخوانه في زغرتا شمالا وفي اليوم ذاته لاعلان الدويلة في الجنوب.

واذا كان اغتيال رئيس الحركة الوطنية اللبنانية الشهيد كمال جنبلاط قد ترك تداعيات كبيرة على واقع الحركة الوطنية، التي يفتقد اللبنانيون اليوم دورها وبرنامجها وهيكليتها العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، فان الاحتلال الصهيوني بقي مستمراً على مدى 22 عاماً، رغم القرارات الدولية وأهمها القرار 425، ولم يكن ممكنا دحره عن الارض اللبنانية إلا بفعل المقاومة الباسلة ، بكل تياراتها، وقد باتت اليوم رقماً صعباً في المعادلة الداخلية والعربية والاقليمية والدولية.

إذا كان كمال جنبلاط قد أغتيل في 16 آذار 1977، فيما كان المجلس الوطني الفلسطيني منعقداً في القاهرة، في رسالة شبه واضحة لمنظمة التحرير، وفي ضربة قاسية لحليف كبير من حلفائها، فان الغزو الصهيوني للبنان عام 1978 لم يكن ممكنا له ان يتم بهذه السهولة لولا انه أتى بعد اسابيع على الزيارة المشؤومة لانور السادات إلى الكنيست الصهيوني لتعلن خروج اكبر بلد عربي من الصراع المصيري مع العدو، فكان هذا الغزو رسالة واضحة للبنان وسوريا ومنظمة التحرير ولكل المعترضين على الزيارة المشؤومة مما يؤكد على ترابط الاحداث والتطورات في وطننا العربي الذي يعامله اعداء الأمة كمسرح عمليات واحد، فيما نتعامل معه كأجزاء متباعدة تسير هي نفسها نحو المزيد من التكك والتجزئة….

وكما انه لم يكن ممكنا القضاء على الحركة الوطنية اللبنانية باغتيال قائدها ورمزها إلا بالوصول إلى قرار بحلها عام 1983 (بعد الغزو الصهيوني الاكبر عام 1982) والى استبدالها بصيغ عمل قائمة على العصبيات الطائفية والمذهبية ، فانه لم يكن ممكنا القضاء على المقاومة الفلسطينية واستدراجها إلى المنزلقات الخطيرة فيما بعد، ولا على الارادة الوطنية والشعبية اللبنانية المستقلة، إلا بغزو صهيوني يصل إلى العاصمة بيروت بعد حصار اسطوري استمر حوالي الثلاثة اشهر لتنطلق بعده رصاصات المقاومة الاولى التي دحرت قواته من العاصمة بعد اسبوعين ، ثم دحرته تدريجياً من الجنوب والبقاع الغربي.لتؤكد ان ارادة الحياة والمقاومة في الأمة لا يمكن ان تموت…

ان استعادة هاتين المناسبتين الهامتين اليوم، وبعد حوالي الثلاثين عاماً، ضرورية لكي نقرأ بدقة كل ما يجري حولنا، ونستفيد من الدروس والعبر التي تنطوي عليها هذه الاحداث، وابرزها دون شك التلازم بين الفتن الاهلية والغزو الخارجي، والتكامل بين المقاومة والوحدة الوطنية والقومية..

 

معن بشور/ كاتب عربي