المادة 38 من الدستور .. و جدال الهواة | صحيفة السفير

المادة 38 من الدستور .. و جدال الهواة

أربعاء, 22/03/2017 - 18:13

منذ تصويت مجلس الشيوخ المناوئ للتعديلات الدستورية ظهر جدال أريد منه أن يكون بين القانونيين و الواقع ان رواده هم هواة بامتياز.. بعيدين كل البعد عن الفكر القانوني المتمرس .. أكثر هؤلاء لا يعرفون من القانون الدستوري إلا ما يعرفه طبيب الأسنان في عملية القلب المفتوح....

نعم القانون كالطب تماما .. عندما تأتي حالة ما للمستشفى خصوص إلى قسم الاستعجالات، يمكن لكل أشخاص الطب من طبيب عام و مختص و ممرض و مسعف و غيرهم، أن يتدخلوا لمعرفة ما يجب القيام به .. غير أنه إذا ثبت أن الأمر يتعلق بخلل في الأعصاب فعلى الأطباء غير المختصين أن يتنحوا جانبا وإلا كانوا عرضة للسخرية من زملائهم و طلابهم و أصحاب الحالة المعروضة... ألن يكون الأمر مضحكا و يتحول إلى دراماتيكي إذا أصر أخصائي التوليد في مقابل جراح الأعصاب على أنه لا يمكن إجراء عملية للدماغ قبل تخدير جزئي كما تقتضي عملية الولادة ...

لن استطرد مزيدا .. لكن أقول و بكل أسف إنّ الذين يمكنهم فنيا الخوض في غمار الحديث عن آليات الدستور مجموعة لا تتجاوز العشرة قانونيين: ثلة من الأولين و قليل من الآخرين .. مع حق الجميع في ابداء ما يرونه حسب فهمهم و فراستهم في هذا المجال...

قد يرى البعض أن هذا القول تعسفي و إقصائي لكن زملائي القانونيين يعرفون في قرار أنفسهم أنه الحق و لا ينقص من حصافة قانونيين الإجلاء .. لم أكن لأبينه لولا أنني أريد لهذا الجدل المفتعل و العقيم الذي يذكيه هواة متطفلون على الموضوع مدفوعين خبرات مزورة و خبراء مزيفين مجندين سياسيا للعراك في حلبة القانون لمكاسب إعلامية لا علمية...

من هذا المنطلق على الذين يقولون ان التعديلات الدستورية الحالية و السابقة و اللاحقة لا يمكن أن تصح من خلل المادة 38 من الدستور بحجة أن مراجعة الدستور خصص لها باب و لا يجوز الخروج على أحكامه بأي شكل من الأشكال دون المرور بتزكية البرلمان .. على هؤلاء، ان كانوا دستوريين، ان يراجعوا مواقفهم قانونيا و ان لا تدفعهم المواقف السياسية لتحميل الدستور ما لا يحتمل نصا و لا روحا...

أقول لأولئك القانونين، إن كانوا كذلك، و خصوصا للذين منهم في كنف وفلك الدولة، أن يراجعوا مواقفهم .. و أنّ ما يرّوجون له و يتداولونه تأويلا سطحيا ينقصه التبحر في فنيات القانون .. و هي قراءة جامدة، ميتة و مميتة، لنص مقتضب يمتاز بمرونة لا نظير لها في القانون المقارن...

و أقول للسادة السياسيين ان يخرجوا من طور المراهقة السياسية .. و ان يتوقفوا عن التشكيك في مشروعية و شرعية التعديلات الدستورية بموجب الاستفتاء .. و أن يعدلوا عن الإبحار في هذا الاتجاه لأنه لن يخدم في النهاية آراءهم و خصوصا استراتيجياتهم و جهودهم في المشاركة في السلطة...و ما عليهم إلا قراءة هذا المقال حتى نهايته ليقتنعوا بنصيحتي هذه...

من هنا أدعو هؤلاء و أولئك ان يكفّوا عن مغالطة الرأي العام و ان يستعدوا لكسبه بأمور أخرى غير التعويل على أخطاء السلطة و النظام .. وان ما يصوغون لا يعدو كونه حججا واهية لا يقبلها المنطق السليم .. ولاهي من نص الدستور ولا في روحه .. وعواقبها السياسية كارثيّة عليهم دون غيرهم...

أولا: من حيث المنطق:

لا يصح القول لأكثر من ربع قرن أن نظامنا الدستوري رئاسيا أو شبه رئاسي ثم فجأة نكتشف بمجرد تصويت مناوئ من مجلس الشيوخ أن نظامنا الدستوري برلماني بامتياز .. و أن ما لم يقره البرلمان يسقط نهائيا و لن يمكن إعادة طرحه من جديد، جهلا أو تجاهلا لمسطرة سن التشريعات ذاتها المبنية على التداول بن الغرفتين، حيث ضعف مجلس الشيوخ أمام الجمعية الوطنية في اعتماد أو استبعاد النصوص القانونية...

كما أن عدم امكانية تعديل الدستور من دون موافقة البرلمان يعني عمليا أن السلطة و السيادة في يد البرلمان لا في يد الشعب خلافا لصريح المادة 2 من الدستور .. فمثلا إذا أراد الشعب أن يقلص مدة أو عدة الإنابة التشريعية أو عدد نوابه فعليه انتظار موافقة البرلمان و ذلك أمر يجعل البرلمان هو مصدر السلطة، بحكم الواقع، و ليس الشعب الذي هو مصدر كل سلطة .. و أن السيادة التي هي ملك للشعب يمارسها مباشرة عن طريق الاستفتاء أو من خلال ممثليه .. لا تمارس إلا من خلال البرلمان و هذا محض هراء لمخالفته لمنطوق فقرات المادة المذكورة...

لن استطرد في المنطق لأنه يدخل في إطار فلسفة القانون التي لا يخول الوصول لمستواها إلا شهادة الدكتوراه و هي المعبر عنها في النظام الانجلوساكسونى بدرجة فيلسوف في المجال (PhD) .. و إذا ما اعتبرناها معيارا سينقص كثيرا عدد العشر ة المشهود لهم بإمكانية النقاش على هذا المستوى...

ثانيا: من الناحية الفينة:

إن التشبث بمواد الباب الحادي عشر من الدستور و استبعاد المواد الأخرى فيما يتعلق بمراجعة القواعد الدستورية هو خطأ فني فادح في القانون الدستوري المعمق، لأنه إذا أمكن الجدل في التفريق بين الديباجة و المتن من حيث القوة القانونية فلا يمكن أبدا فقهيا تفضيل مادة على مادة أخرى في متن الدستور إلا إذا استجلبنا فنية الناسخ و المنسوخ في الشريعة الإسلامية، حيث الفقه الحقيقي، و هي آليات لا يعترف بها القانون الوضعي ... و عند استخدامها لا يبقى من ما تبقى من العشرة المذكورين إلا ما رحم ربي....

من هنا يقتضي تساوي الحجية بين المواد الصريحة في متن الدستور عدم التحجر على بعضها و العمه عن البعض الآخر.. لو كان الدستور قدّم أي استثناء، ولو ضمنا، على القضايا ذات الأهمية الوطنية في المادة 38 أو في غيرها، كما فعل في الفقرة الرابعة من المادة 99 لسكتنا و لوجدنا لهم عذرا مقبولا في ما ذهبوا إليه...

ان المقصود في الفقرة 3 من المادة 99، بضرورة تصويت ثلثي كل من غرفتي البرلمان على مشروع مراجعة الدستور حتى يعرض على الاستفتاء يعنى فقط المشاريع المقدمة من طرف البرلمانيين .. وهذا منطوق الفقرة الثانية من نفس المادة التي تتحدث عن مبادرة البرلمانيين في المراجعة .. ومعلوم في اللغة أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور وهو المشاريع المقدمة من طرف البرلمان التي يجب أن يوقع عليها ثلث النواب أو الشيوخ لعرضها للنقاش ولا تقدم للاستفتاء إلا إذا زكاها ثلثي كل من الغرفتين...

ولما كان لا يوجد لدينا فقه أو فقه قضاء في هذا المجال، كان حتما علينا أن ننظر في القانون المقارن .. مثلا في فرنسا نجد أن نفس الباب المتعلق بمراجعة الدستور موجود في دستورها .. ذلك لم يمنع الفرنسيين من تعديل دستورهم بالاستفتاء سنة 1962، دون المرور بتزكية البرلمان، و قلبوا بذلك نظامهم رأسا على عقب؛ حيث أصبح رئيس الجمهورية ينتخب عن طريق الاقتراع المباشر بعد ان كان ينتخبه البرلمان في الدستور الأصلي لسنة 1958.

ثالثا : من الناحية السياسة:

إن على من ينكرون امكانية اللجوء إلى تعديل الدستور من خلال المادة 38 أن يدركوا خطورة الأثر السياسي لما يقولون و يستميتون في الدفاع عنه...إنهم يقولون بصراحة و عن غير قصد ان التعديلات الدستورية المتفق عليها سنة 2006، التي ادخلت على دستور 2006، غير شرعية و غير دستورية لأنها و بكل بساطة لا تحترم أحكام مراجعة الدستور.. و لأنها لم تعرض لا على تشكيلة البرلمان التي حلّت عنوة ولا على تلك المنتخبة بشكل شفاف و ديمقراطي بزعمهم ...

هل يدرك السياسيون المتعصبون لهذا الرأي نتائجه و آثاره لصالح النظام و أغلبيته الذين تحاولون هذا العام تحريم ما حللتموه عاما آخر... إن نتيجة مجادلتكم في رفض اللجوء إلى المادة 38 لتعديل الدستور تعني و باختصار أن التعديلات الدستورية لسنة 2006 غير شرعية ولا يجب ان تلحق بدستور 1991 .. و هذا يعني عمليا وبصريح العبارة أن عدد مأموريات رئيس الجمهورية ليس مقيدا و أن تحصينها بالاستفتاء لا قيمة له لأن البرلمان لم يوافق عليها...

هذا الطرح و هذا المنطق يعطي الحق لرئيس الجمهورية الحالي الحق في الترشح لمأمورية ثالثة و رابعة و خامسة .. كما ينص على ذلك دستور 1991 قبل تعديلات 2006 التي أجريت باستفتاء بعيدا عن البرلمان...

إذن لا شيء يبرر منطقيا و لا فنيا ولا سياسيا هذا الجدل المفتعل.. فكفى هراء و افتراء على الدستور.. و حاولوا التشويش على نتائج الحوار الأخير بغير هذا .. فجدالكم قانونيا عمل هواة .. و سياسيا هو لعب بالنار !!!

   د. حاتم محمد المامي

   أستاذ القانون الدستوري المعمق

   بالجامعة اللبنانية الدولية