لو عاد التاريخ الى الوراء لاكثر من ثمانية وثلاثين عاما حين كان محمد رضا بهلوي شاه ايران المخلوع والمقبور يتربع على ما كان يسمى بعرش الطاووس في ذالك البلد لاتفقنا فورا مع رأي بعض القائلين من العرب بان ايران هي عدوة للعرب .
فايران الشاهنشاهية ناصبت العداء للعرب وقضاياهم وتحالفت مع الولايات المتحزة الامريكية واسرائيل واشتركت في الاحلاف العدوانية التي كان الهدف من اقامتها هو محاربة حركة التحرير الوطني العربية التي كان يقف في طليعتها النظام الناصري في مصر ومواجهة الاتحاد السوفييتي السابق .
ويكفي ان نذكر في هذا السياق مثلا واحدا للدلالة على مدى ارتباط ايران انذاك باعداء الامة العربية وهو ان دولة مثل تركيا العضوة في حلف شمال الاطلسي ” الناتو ” سمحت للطائرات الروسية التي كانت تنقل السلاح في اطار جسر جوي , الى مصر وسوريا في حرب 1973 – العربية الاسرائيلية – بالمرور من اجوائها في حين رفضت ايران السماح لها باستخدام الاجواء الايرانية
ولعل من المفارقات العجيبة في هذا المجال ان الانظمة العربية الحليفة لامريكا والتآمرة على نظام الرئيس الراحل الخالد جمال عبد الناصر كانت ترتبط بعلاقات صداقة حميمة وتحالفية مع نظام الشاه ولم تحرك ساكنا عندما احتل شاه ايران في العام 1971 جزر الطمب الكبرى والطمب الصغرى وابو موسى وحتى لم تطالب باسترجاعها .
اما وبعد ان انتصرت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني , رحمه الله في مثل هذه الايام من العام 1979 , واطاحت باحد اهم ركائز الامبريالية الامريكية في منظقة الشرق الاوسط وهو نظام الشاه , واعلنت على رؤوس الاشهاد وقوفها الى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم , وعدائها المبدئي لاسرائيل وامريكا فقد تحولت في نظر بعض العرب الى شيطان اكبر يجب استئصاله ومحاربته .
ولذالك فقد عمل اولئك العرب على توريط الرئيس الراحل صدام حسين في حرب ضروس ضد ايران استمرت ثماني سنوات وانفقوا في سبيل ذالك مئات مليارات الدولارات مدعين الوقوف الى جانب العراق في وجه ” المجوس “
وعندما توقفت الحرب انقلب أولئك العرب ايضا على نظام صدام حسين وشكلوامن خلال قمة القاهرة الغطاء للولايات المتحدة الامريكية لتدمير الجيش العراقي والدولة العراقية ومن ثم احتلال العراق في عام 2003 .
وبعد ذالك واستكمالا للضلوع في المخطط الامريكي الهادف الى تركيع ايران عقابا لها , على تمردها على السياسة الامريكية وتمكنها تحقيق قفزات تطور هائلة لا سيما في المجال النووي وتكنلوجيا تطوير الصواريخ والصناعات المدنية والعسكرية ومساندتها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية , واسهامها الفاعل في منع سقوط سوريا بالتحالف مع حزب الله وروسيا , في يد العصابات التكفيرية , فقد ادرجت في قائمة الارهاب الامريكية واصبحت العدو الاول لامريكا واسرائيل وبعض النظم العربية
وحتى تتضح معالم الصورة وينجلي الموقف لدى كل من لديه لبس ويرى المواطن العربي على وجه التحديد ان ايران ليست عدوا للعرب فانه يجب التمعن في التصريح الذي ادلى به وزير الدفاع الامريكي الجدبد قبل يومين متهما ايران بدعم ما اسماه الارهاب .
فالولايات المتحدة الامريكية تدعي بانها تحارب داعش والنصرة والقاعدة وتعتبرها منظملت ارهابية من خلال شن غارات جوية تؤدي غالبا الى قتل مدنيين عزل في سوريا والعراق واليمن في حين ان ايران تحاربها بالمال والسلاح واللحم الحي وتساهم فعلا لا قولا في هزيمتها فكيف يريدوننا ان نصدق بان ايران تدعم الارهاب وهي التي تحاربه .
وهذا يعني بالمنطق ان ما تعمد وزير الدفاع الامريكي اخفاؤه هو ان ايران بدعم الارهاب لانها تدعم حلركات المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن التي تعتبرها الولايات التحدة ارهابية رغم انها في واقع الامر وبموجب القانون الدولي حركات تحرر وطني .
وعلني لا ابالغ ان قلت بان ايران لو اعلنت تخليها عن مساندة قضية الشعب الفلسطيني وعن مناصرة ودعم قضايا المظلومين والمعذبين في الارض وفكت عري تحالفها الاستراتيجي مع روسيا وانكفأت الى الداخل الايراني للبحث عن مصالحها الخاصة , لشطبت فورا من قائمة الارهاب واصبحت محبوبة امريكا واسرائيل , وبالتالي الصديقة رقم واحد للنظام الرسمي العربي
,وبما ان مباديء ايران لا تسمح لها بذلك فانها في نظر اولئك ستبقى دولة شيطانية ومارقة وخارجة عن الاسلام وسيستمر بعض العرب من حلفاء واشنطن واسرائيل باغراق الجماهير العربية تحديدا من السنة العرب في اتون فتنة طائفية ومذهبية , لالهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية وعدوهم الحقيقي وصولا لاخراج التحالف العربي مع اسرائيل من السر الى العلن يقبول شعبي عربي سني , ولكن الامر المؤكدبان اصحاب هذا المخطط ةاهمون وملتبسون ومخطئون ان اعتقدو ا بان مخططهم سوف ينجح . ,
فغالبية جماهير السنة من العرب يدركون كما ادرك الرئيس التونسي باهي قائد السبسي , بان الجمهورية الاسلامية في ايران هي الامل الوحيد في مواجهة الكيان الاسرائيلي مطالبا جميع العرب بالالتفاف حولها لاسترجاع الحقوق المسلوبة في فلسطين
حتى لو اضطر الى سحب تصريحه بسبب ضغوطات مورست ضده .
ويخطىء بعض الساسة العرب ان ظنوا بان ارضاء ترامب باي ثمن , وهو الذي قال في حملته الانتخابية بانه سوف يزيد من قيمة الفاتورة التي يدفعونها للولايات المتحدة الامريكية مقابل حمايتهم , هو اقصر الطرق للحفاظ على عروشهم حتى لو كان ثمن ذالك الارضاء هو اقامة حلف عربي – اسلامي مع راسرائيل على غرار تلك الاحلاف التي اقيمت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وافشلتها ووأدتها حركة التحرير العربية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر آنذاك
فهذا الرهان الخاسر سوف يستنزف الاموال العربية في شراء المزيد من السلاح الامريكي وفي حروب عبثية عربية –عربية وقودها الدم والمال العربي , كما يجري اليوم في سوريا واليمن والعراق علما انه لا يخدم سوى المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ,
ومن يعود بذاكرته الى الوراء ويستفيد مما حصل مع “شاه ايران ” بعد سقوطه وهروبه من طهران ويرى كيف ان امريكا تخلت عنه ولم تستقبله حتى للعلاج من مرض السرطان الا بعد الحاح من قبل الرئيس المصري الاسيق انور السادات ثم قامت بترحيله بواسطة طائرة شحن بعيدا عن عدسات الكاميرات حتى لا تثير غضب الطلبة الايرانيين اللذين كانو يحتجزون طاقم السفارة الامريكية في طهران بعد انتصار الثورة الاسلامية , يجب عليه ان يدرك بان امريكا سوف تتخلى عنهم ان تتطلب مصالحها ذالك .
فسياسة امريكا تقوم على المصالح في المقام الاول وتحكمها ” البراغماتية ” ومن يتمعن في التصريحين اللذين ادلى بهما قبل ايام وزير الخارجية الامريكي لدى زيارته لانقرة والسفيرة الامريكية لدى الامم المتحدة عندما اكدا ان واشنطن لم تعد تشترط رحيل الرئيس السوري بشار الاسد عن الحكم لانجاز التسوية السياسية في سوريا فانه سوف يدرك مغزى ما اقول .
واخيراوليس اخرا لا بد من القول بان اقحام القضية الفلسطينية في اطار البحث عن انقاذ الذات من قبل بغض الساسة العرب , لن يفيد تلك القضية بشيء ولن يؤدي سوى الى تصفية الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني
ويكفي ان نذكر في هذا السياق ان الاستيطان الاسرائيلي لم يشهد الانتشار بشكل سرطاني الا في ظل مشاريع التسوية العربية – الاسرائيلية– ابتداءا من كامب ديفيد ومرورا باوسلو ووادي عربة
بقي القول ان احياء عظام مبادرة السلام العربية وهي رميم ومعها الحديث عن تسوية تايخية على قاعدة دولتين لشعبين في القمة العربية الاخيرة لم يعد هو الاخر واقعيا فالاولى رد عليها نتنياهو بالاعلان رسميا عن اقامة مستوطنة جديدة مكان مستوطنة “عمونا ” لاول مرة منذ 25 عاما , ومعها 2000 وحدة استيطانية جديدة ,
اما الثانية فقد بات من الاجدى استبدالها بشعار ثلاث دول لشعبين سيما بعد ان اشارت احصائية صادرة مؤخرا الى ان المستوطنات تحتل 46% من مساحة الضفة البالغة 5000كم يقطنها 620 الف مستوطن , سوف ترتفع عام 2020 الى 60%من مساحة الضفة سوف يقطنها مليون مستوطن حسب ما نشرته “القدس″ امس , والحدق يفهم .
محمد النوباني