إنتهت القمّة العربية التي عقدت في عمّان بخير. لقد كانت في مظاهرها كبقيّة القمم السابقة، طائرات عملاقة خاصّة بمشايخ الخليج تزيّن المطار، وبوسات لحى نفاقيّة لا علاقة لها بصفاء القلوب، ومراسيم إستقبال ووداع وكرم ضيافة حاتميّة طائيّة تليق بشيوخ القبائل العربية، ومواكب وحراسات أغلقت الشوارع، ومواطنون ألزموا على الوقوف على أطراف الشوارع التي مرّت منها المواكب والتصفيق للزوار، وطعام شهي مستورد ومحلّي يلبّي رغبات القادة العظام، وإجتماعات ثنائيّة وثلاثيّة لحل الخلافات الشخصيّة وحبك المؤامرات، ومصالحات واتّفاقات ثنائيّة لا يعلم إلا الله متى ستنفّذ، .. وبيان ختامي لا مصداقيّة له !
البيان الختامي لقمّة عمّان كان عبارة عن مجموعة من الشعارات الفارغة، والعبارات الجوفاء المضلّلة التي تكرّرت في كل قمّة وأهمها ما يلي : أجمع القادة العرب على مركزيّة القضية الفلسطينية والهوية العربية للقدس بينما هم في الحقيقة تخلّوا عنها وتدخّلوا في شؤون الفلسطينيّين لتشتيت شملهم ودعم إنقسامهم، ولم يقدّموا لهم ما هم بحاجة ماسة إليه من دعم مالي لمواجهة تهويد القدس وبقية الأراضي الفلسطينية، وأقاموا علاقات ودّ وتعاون إنبطاحيّة مع نتنياهو وحكومته !
وقال البيان إن القادة يريدون تسوية الأزمة السورية سلميّا، لكنّ الحقيقة هي إنهم عطّلوا التسوية من خلال عملائهم وإنهم مستمرون في تدمير سورية وقتل شعبها، ودعوا إلى حلّ الخلافات العربية-العربية المزمنة وهم الذين يثيرونها ويرفضون حلّها، وأدانوا التدخّلات الإيرانية في المنطقة، وباركوا التدخّلات الأمريكية الإسرائيلية لأنها أقل خطرا على عروشهم من التدخّل الإيراني، وطالبوا تركيا بسحب قواتها من العراق وهم الذين يتآمرون معها عليه، ودعوا إلى مساعدة الدول المجاورة لسورية وهم الذين يرفضون إستقبال اللاجئين السوريين، وطالبوا بدعم الشرعية الدستورية في اليمن لضمان إستقراره وهم الذين أقاموا تحالفا إسلاميا لتدميره وحرق وقتل شعبه، وأدانوا الإرهاب وممارساته بكافة أشكالها وهم الذين أوجدوا، وموّلوا، وسلّحوا القاعدة وداعش والنصرة وكل منظمات المرتزقة الإرهابية العاملة في الساحة العربية .
في بيان قمّتهم الختامي، … إستجدى … الحكام العرب نتنياهوا أن يقبل التفاوض لتصفية القضية الفلسطينية، وأعربوا عن إستعدادهم لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل إذا تكرّمت وقبلت حلاّ سلميّا مهما كانت مواصفاته، وعرضوا عليه مرّة أخرى ما يسموّنه بمقترحات الملك الراحل عبدالله آل سعود التي رفضها مرارا وتكرارا ووعدوة بفتح الحدود والعواصم العربية للصهاينة إذا تنازل وقبلها، وقالوا له بطريقة مباشرة إنهم في عجلة من أمرهم ويودّون مساعدته في الخلاص من فلسطين وأهلها، ويريدونه أن يعجّل في الإنضمام اليهم ليتفرّغوا لمواجهة التهديد الإيراني معا … لأن ذلك يخدم االعرب والإسلام والمسلمين … !!
لم يتطرّق البيان من قريب أو بعيد إلى سياسات ترامب العتصرية ضدّ العرب والمسلمين، والتدخل الإسرائيلي في القتال الدائر في سورية والعراق واليمن وليبيا ! ولم يذكر كلمة واحدة عن التحالف الأمريكي الإسرائيلي الرامي إلى السيطرة على المنطقة، ولم يعترض على منع مواطني ست دول عربية واسلامية من دخول الولايات المتحدة، ولا على المعاملة المذلّة التي يتعرّض لها المواطنين العرب في المطارات الأمريكية، ولا عن نوايا ترامب بنهب ثروات المنطقة وإبتزاز مشايخ النفط !
أما بالنسبة للوطن العربي فإن البيان لم يتضمن شيئا عن آليّة عربيّة حقيقيّة لمعالجة المشاكل والخلافات القائمة بين الدول العربية، ولم يتطرّق لشيء إسمه وحدة عربيّة أو حتّى تعاون عربي مشترك يسهّل حركة التبادل التجاري والإقتصادي وتنقل المواطنين العرب بين الأقطار العربية بدون إجراءات تعجيزيّة، وإذلال وإهانات . كذلك تجاهل البيان ممارسات دول الخليج العنصرية ضدّ العرب العاملين فيها، والضرائب الغير مباشرة الباهظة التي تفرضها عليهم وعلى الحجاج والمعتمرين من عرب ومسلمين ، ولم يذكر شيئا عن الفقر المدقع الذي تعاني منه شرائح كبيرة من أبناء المجتمعات العربية .
بيان قمّة عمّان لا يحتوي على بند واحد يفيد الوطن والمواطن العربي، فكيف نجحت كما يدّعون ويطبّلون ويزمّرون في وسائل الإعلام ؟ إذا كان المقصود بالنجاح هو إستمرار الحروب العربية- العربية، وتقديم خدمات لأمريكا وإسرائيل، وزيادة الشقاق والنّفاق بين القادة العرب، وإصرارهم على الإستمرار في إستعباد شعوبهم وتضليلها، فأنه ليس هتاك شكّ أن القمّة كانت ناجحة بامتياز ! لكن الحقيقة التي لا يمكن دحضها تقول إن نتائج هذه القمة تمثل حلقة جديدة من مؤأمرات التحالف العربي الأمريكي الإسرائيلي التي من الممكن أن تقود إلى تدمير ما تبقى من أمل لإصلاح وضع الأمة. إن قرارات قمّة عمان ليست سوى أكاذيب تثبت … أن الحكام العرب ” إلي إستحوا ماتوا ” منذ زمن
كاظم ناصر
طويل ..!