في كل عام وفِي هذا التاريخ تنتابني أزمة حزن وكآبة ، وأتذكر هذا التعبير البليغ الذي أطلقه الراحل العزيز الدكتور وميض نظمي على يوم الاحتلال9 نيسان/ ابريل المشؤوم ، وأسماه يوم العار الوطني. وأتذكر كيف ان مجلس الحكم الذي عينه الاحتلال واختاراعضائه من المتعاونين معه والراضين به، اعتبره عيدا وطنيا للعراق، بل يوم العراق الوطني.
واذكر اني في اليوم التالي لهذا الإعلان ذهبت الى كليتي متصورا باني ساجد من يشعر لشعوري المؤلم والمحبط، او سأجد مظاهر الاستنكار تعم الحرم الجامعي، واذا بي أفاجأ بان هذا الإعلان لم يكن له اي صدى يذكر على اغلب زملائي، وربما كان من يشعر بشعوري خائفا من إظهاره بعد ان أصبحت المراكز الجامعية معسكرات لقوات الاحتلال الامريكي، كما حدث لجامعتي، او مقرات للأحزاب والمليشيات التي جاءت مع الاحتلال. ولما سألني الاخ العميد بحضور عدد من الأساتذة باللهجة العراقية المعروفة (شلونك دكتور) قلت متهكما: على أحسن ما يكون وكيف لا وان يوم الاحتلال اصبح يوما وطنيا في بلدي.
وما ان أتممت عبارتي حتى هب في وجهي احد الزملاء صائحا ( هذا اعظم وأحسن قرار) فقلت له بهدوء ان كنت تشعر ذلك فهذا رأيك. وتركت الغرفة وانا في حالة الم اكبر من الذي جئت به.
و سبب ألمي المتزايد هو ان يكون لدى البعض مثل هذا الشعور، وان يجبر الوطن على الاحتفاء باليوم الذي أهينت فيه كرامته الوطنية. لم يحصل ان قامت دولة ما بجعل يوم احتلالها يوما وطنيا، واذا ما حصل في ظرف من الظروف فان الغالبية الوطنية كانت غالبا ما تعدل ذلك بطرد المحتل ومعه من اتخذ مثل هذا القرار و رميه ومؤيديه في سلة التاريخ للمهملات .
ثم جاء يوم العار الوطني الثاني عندما أصدرت الامم المتحدة قرارها المشؤوم الذي اعتبر العراق دولة محتلة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا (القرار 1438 في ٢٢ أيار / مايس 2003) . وفِي كل هذا كانت الزمرة التي أتى بها الاحتلال ونصبها كحكام جدد تتبجح بكونها راضية (بالتحرير الامريكي). طبعا بعد سنين تم إلغاء هذا القرار وجُعِلَ يوم دخول العراق الى عصبة الامم كدولة مستقلة (٢٣ أكتوبر/ تشرين الاول ١٩٣٢) هو اليوم الوطني.
بعد 14 عاما من الوضع المزري والقتل اليومي للعراقيين وتفشي الطائفية والعنصرية والفساد بصورة غير مسبقوقة عراقيا وعالميا ، بدا الكثيرين ممن حثوا على الاحتلال و رحبوا به وتعاونوا معه، بل جلهم ، يغيرون حديثهم ويصفون ما جرى بانه احتلالا، بل ويطرون على المقاومة الوطنية الشريفة التي اجبرت جنود الاحتلال على الانسحاب المبكر، معتقدين ان الناس قد نست مواقفهم السابقة.
علما بان جلهم لا يزال يمد الخيوط وينسق سرا مع القوى الإقليمية والدولية وضد مصلحة العراق الوطنية. ان العراقيين مطالبون اليوم اكثر من اي وقت مضى بان يعلنوا يوم الاحتلال ( ٩ نيسان/ ابريل) ويوم اعلان الامم المتحدة العراق دولة محتلة (٢٢ أيار / مايو) يومي عار وطني بل يومي حداد وطني ويوزعوا فيهما ، كما يفعلوا في مجالس عزائهم المعتادة فيهما القهوة العربية المرّة، و في الأماكن العامة ، لكي يبرهنوا على رفضهم لما جرى في هذين اليومين، وحتى اليوم الذي يتخلص فيه العراق من هذا الاحتلال البغيض وتبعاته.
لم يستقبل العراقيون القوات الغازية بالزهور كما تمنى قادة أمريكا آنذاك او كما بشرهم بذلك من تعاون معهم، وعلى العراقيين الوطنيين الان ان يُصَعِدوا من رفضهم الشعبي والوطني لكل ما حدث لكي يوضحوا للعالم حقيقة شعورهم تجاه ماجرى، وانا على يقين انهم قادرون على إثبات ذلك كما اثبتوا سابقا في مواقف حالكة كثيرة.
سعد ناجي جواد