تشكل الزيارة الأخيرة التي أداها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لباريس انفراجا نسبيا في صفحة العلاقات المتوترة بين نواكشوط و باريس، و مع أن توقيت الزيارة و تزامنها مع انطلاقة حملة الرئاسيات الفرنسية المثيرة و كذلك طبيعة برنامج الزيارة لا يدفعان بالقول أنها تعتبر قد تساهم في حلحلة ملفات الساخنة بين البلدين إلا أن مجرد توجيه هولاند دعوة لولد عبد العزيز و سرعة تجاوب الأخير مع الدعوة يعتبر مؤشرا في اتجاه تلطيف حالة التسخين الدبلوماسي بين البلدين.
لقد عرفت العلاقات الثنائية بين نواكشوط و باريس على مدار السنوات الأربع الأخيرة جفاء ملحوظا بدأ مع قرار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الرافض للمشاركة في التحالف الذي تزعمته فرنسا سنة 2013 لطرد الجماعات الإسلامية المسلحة من شمال مالي، و ذك في الوقت الذي كانت فرنسا تُعول على الدور الموريتاني في هذه الحزب، انطلاقا من سابقة تنفيذ موريتانيا لعمليات عسكرية ضد هذه الجماعات في عمق الشمال من مالي بدعم من فرنسا و دون استئذان للحكومة المركزية بباماكو.
تداعيات قرار ولد عبد العزيز-الذي يعتبر من قرارات الرجل النادرة التي تُحظي بإجماع شعبي و سياسي داخلي- أسس لمرحلة من القطيعة المتدرجة بين النظامين بعد أن كانت باريس أهم حليف لولد عبد العزيز، الذي ساهمت في تدعيم نظامه و إضفاء الشرعية عليه بعد انقلابه على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
بدأت فرنسا بعد هذه المرحلة توسيع و تنويع و دعم مبادرات و مجالات التعاون العسكري و الأمني المتعلقة بمنطقة الساحل، و أدارت الظهر لمجموعة 5 لدول الساحل، التي تأسست بمبادرة موريتانية لدعم أمن و استقرار و تنمية المنطقة، فهذا الإطار الذي كانت موريتانيا تريده إطار تنسيق رئيسي لكل المبادرات والجهود ذات الصلة بأزمة الساحل سعت فرنسا في السنوات الأخيرة لنزع الدسم منه و تحجيم دوره و ذلك بتكثيف التنسيق مع باقي الدول الأعضاء(مالي، تشاد، النيجر، و بركينا فاسو) بشكل مباشر أو بتشجيع مبادرات إقليمية أخري مهتمة بأمن الساحل و استقراره كمنتدى السلم و الأمن بأفريقيا التي تحتضنها داكار سنويا و ذلك بعد أن وجدت نفسها عضوا غير مرغوب فيه بمجموعة الساحل بسبب اعتراض موريتانيا على انتسابها.
استمرار مظاهر التوتر شكل سمة طبعت العلاقات الثنائية للبلدين، و ما إحجام المسئولين الفرنسيين عن زيارة موريتانيا على مدار السنوات الأربعة الأخيرة و تكذيب الجيش الموريتاني لرواية للجيش الفرنسي يؤكد فيها قيامه بتنفيذ عمليات عسكرية من فوق التراب الموريتاني و حديث الرئيس الموريتاني لبعض المنتخبين عن رفضه لقبول رشوي من رجل الأعمال الفرنسي فينصان بولوري بقيمة 10 مليون يورو مقابل منح صفقة تتعلق بميناء نواكشوط و ظهور الحس الوطني الجديد لدي ولد عبد العزيز المتعلق بتمجيد المقاومة و هجومه المبطن على الاستعمار الفرنسي و دعم فرنسا للموقف السنغالي في الأزمة الغامبية إلا مظاهر و أعراض بينة لأزمة اختار مسؤولو البلدين عدم تصدريها للرأي العام.
لكن الملاحظة الرئيسة هي أن حدة التسخين بين الجانبين وصلت أوجها في الفترة التي كان ولد عبد العزيز يستعد للحوار الأخير و قبل تصريحه العلني بنيته عدم تعديل المواد المتعلقة بتقييد مأمورية الرئيس، و ذلك في الوقت الذي كانت ثمة تهيئة شعبية مطالبة بإعادة ترشيح ولد عبد العزيز رافقتها تصريحات لوزراء في الحكومة عبروا عن إمكانية بقاء الرجل في السلطة، مما يعني أن فرنسا قد تكون في هذه الفترة أعطت بطاقة حمراء لولد عبد العزيز بعدم الانجرار في هذا الاتجاه، الشيء الذي سيصب النار على الزيت أكثر.
فالموقف الرسمي الفرنسي من قضية مأموريات القادة الأفارقة في السلطة أصبح موقفا شبه مبدئي و ثابت جديد في السياسة الخارجية لفرنسا، و يقوم هذا الموقف على رفض كل تعديل دستوري يتعلق برفع المواد المقيدة للمأمورية. فقد رفض هولاند بشدة مساعي الرئيس البركنابي المطاح بيه بليز كومباوري في هذا الاتجاه، كما عبر بشدة و في أكثر من مناسبة عن معارضة فرسنا القوية لجهود رئيس الكونغو الديمقراطية لوران ديزيري كابيلا لتعديل دستور بلاده للبقاء في السلطة.
في الأخير يمكن القول أن الناظم الأساسي في علاقات فرنسا بمستعمراتها القديمة يرتكز على ملفات محددة من أبرزها مجال التعاون العسكري و قضايا المصالح الاقتصادية، و هما الملفين اللذين يشكلان جوهر الخلاف مع ولد عبد العزيز، لذا فإن أي تقارب حقيقي بين الجانبين ستكون بوابته قبل الإليزيه تصالح نظام ولد عبد العزيز مع الدوائر النفوذ الاقتصادي و العسكري و الأمني باعتبارها المفتاح الحقيقي لشبكة فرانس-افريك ذات التأثير الرئيسي في علاقات فرنسا بإفريقيا.
سيدي ولد عبد المالك-كاتب و باحث في الشأن الإفريقي