جاء تصويت مجلس الشيوخ الموريتاني ضد مشروع التعديلات الدستورية ليشكل زلزالا سياسيا غير مسبوق في بلد حديث عهد بالديمقراطية لم يتعود أن تقف فيه السلطة التشريعية بوجه قرارات تنفيذية.
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، حاول في خرجة إعلامية لاحقة، أن يداري غضبا جارفا جراء هذه الخطوة، معبرا عن تفهم "قسري" لها ومتوعدا باستكمال السعي نحو التعديلات المقترحة عبر استفتاء شعبي، تكاد تذروه رياح "اللادستورية" ويتهدده، غالبا، مزاج شعبي شب عن الطوق وبدأ يتمرن على لعبة الرفض.
خطوة الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني حملت مفاجأة صادمة خاصة، أنها تلت موافقة كاسحة لمجلس النواب على التعديلات الدستورية التي أسالت، منذ طرحها قبل نحو عام، كثيرا من الحبر وحركت جدلا تطايرت شظاياه شرقا وغربا، بل وحفرت عميقا في البنية الاجتماعية والمناطقية لمجتمع هش حديث عهد بالدولة العصرية، ولعل النقطة الأبرز والأكثر إثارة للجدل كانت موضوع تغيير العلم والنشيد الوطنيين، فبقدر ما دافع عنهما الكثيرون باعتبار رمزيتهما التاريخية واستقرارها في لاوعي المواطن الموريتاني، بقدر ما كانت هناك أيضا آراء أخرى اعتبرت أن هذين الرمزين، لم يرويا كل القصة، وتم فيهما، تجاهل المقاومة المسلحة التي شكلت بجانب المقاومة الثقافية ثنائيا دفع الفرنسيين إلى الرحيل عن المنكب البرزخي.
الجدل القانوني والسياسي الذي أعقب قرار السلطات بالذهاب إلى استفتاء شعبي، يبدو أنه لم يثن الرئيس، حتى الآن، عن المضي قدما في مشروعه، فتم تحديد منتصف يوليو/تموز المقبل موعدا لاستفتاء شعبي سيقول فيه الموريتانيون كلمتهم الفصل بخصوص هذا الموضوع، وهو ما يعني أن نواكشوط مقبلة على صيف ساخن ليس فقط بفعل طقسها الحار والمشمس، وإنما بفعل حراك سياسي صاخب تتداخل فيه معطيات كثيرة وعوامل متشابكة.
فالمعارضة التي أثقلها الترهل والخلافات البينية، ظهرت في الأشهر الأخيرة أكثر حيوية ونظمت مسيرات جماهيرية حاشدة وحجزت مكانا أكبر للتشكيلات الشبابية، كما أنها استفادت سياسيا وشعبيا من تصويت الشيوخ الأخير، الذي تمت قراءته من قبل أغلب المحللين "شرخا" عميقا في أغلبية تمردت على طاعة الزعيم، وعلى الضفة الأخرى، يتوقع العارفون بالرئيس عزيز أنه لن يستسلم بسهولة وسيقاتل في سبيل خياراته بتصميم أكبر بعد الطعنة التي وجهت له من داخل بيته، والتي شكلت هزة عميقة في هيبة ومكانة الرجل، ما يتطلب ردة فعل قوية وحاسمة لإظهار أن الأمور تحت السيطرة وأن قبضة ساكن "القصر الرمادي" مازالت ممسكة بكل قوتها على سدة السلطة في البلد.
قصة التعديلات الدستورية، وجدلها المستمر، تزيد المستقبل السياسي في موريتانيا ضبابية وتفتحه أكثر على مسارات غير متوقعة، خاصة وأنها تأتي قبل سنتين من نهاية المأمورية الأخيرة للرئيس الحالي، بما يعنيه ذلك من سعي الأطراف السياسية المختلفة لحجز مقاعدها في موريتانيا ما بعد 2019، فالمعارضة تمني نفسها أن تنجح في اجتراح معجزة في الوصول إلى سدة الحكم، وهي معجزة تعترضها عوائق كثيرة ليس أضعفها صعوبة، إن لم أقل استحالة، توحد الطيف المعارض خلف مرشح واحد، إضافة إلى أن معطيات الواقع والمنطق تخبرنا، أن النواة الصلبة للنظام الحالي، وفي القلب منها كبار الضباط، لن تترك الحكم بسهولة، وستسعى لاستمراريته عبر مرشح من صفوفها أو الدفع بمرشح مدني مضمون.
وهكذا، تتداخل عوامل الطقس وتفاعلات السياسية لتنذر بصيف موريتاني ساخن، سيكثر فيه الجدل وتتداخل فيه الرغبات المتعارضة لأكثر من جهة، وستكون فيها أعين الجميع شاخصة إلى مرحلة ما بعد 2019، حتى ولو بدت مهتمة بتفاصيل ما قبل ذلك.
محمد سعدنا ولد الطالب