عشية الصمت الانتخابي.. قيم الجمهورية اختبار حاسم في السباق الى الاليزيه | صحيفة السفير

عشية الصمت الانتخابي.. قيم الجمهورية اختبار حاسم في السباق الى الاليزيه

سبت, 06/05/2017 - 11:24

استفاقت العاصمة الفرنسية باريس عشية الصمت الانتخابي على وقع مفاجأة لم تكن في الحسبان حيث تمكن احد عشر من نشطاء مجموعة غريت بيس green peace” السلام الأخضر من التسلل فجرا الى موقع برج ايفل , الموقع الأشهر في العاصمة الفرنسية والأكثر حراسة’ ونشر لافتة عملاقة تحمل شعار الجمهورية الفرنسية  “حرية عدالة اخوة “”LIBERTE EGALITE FRATERNITE  وذلك برغم حالة الطوارئ و برغم الحراسة الأمنية التي يخضع لها الموقع منذ اول عملية إرهابية استهدفت فرنسا .و قد برر النشطاء الخطوة بانها لاجل حث الناخبين لاسيما المترددين منهم على التصدي للمخاطر التي تستهدف قيم و مبادئ الجمهورية  و التصويت بكثافة لقطع الطريق امام مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية من الوصول الى الاليزيه .وكشف النشطاء لاحقا ردا على الانتقادات التي استهدفت القوات الأمنية التي فشلت في استباق عملية التسلل التي اقدموا عليها بأنهم  رجال الامن كانوا على الموعد و لكنهم تفهموا الهدف من الخطوة التي أقدموا عليها …
ساعات قبل موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية في جولتها الثانية  في 7 ماي الجاري , لا شيئ في شارع الاليزي الذي شهد قبل أيام و في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية  عملية إرهابية ذهب ضحيتها عون امن و أصيب اثنان اخران يبدو غير عادي , رغم زخات المطر يظل الشارع الأشهر في العاصمة الفرنسية مزدحما بالمارة و السياح من مختلف الجنسيات .
ومع حلول الموعد الأسبوعي للاحتفال بالمحاربين القدامي يتقدم هؤلاء و قد وشحوا صدورهم بالنياشين والاوسمة تحت حراسة قوات الامن المتأهبين لكل امر طارئ وهم يتبعون  مرورهم مع افراد عائلاتهم باتجاه قوس النصر لاحياء ذكرى من قتلوا في الحرب  .. وحدها باقات الورد المكدسة على موقع الحادثة الإرهابية تذكر بما حدث و عدا ذلك يبدو الشارع الفرنسي و كأنه على غير موعد مع حدث انتخابي يتطلع كل العالم لنتائجه  لمعرفة توجهات و خيارات القوة الاقتصادية و العسكرية الخامسة في العالم و موقعها مستقبلا في الاتحاد الأوروبي  و في التحالفات الدولية .
هنا لا وجود لصور المترشحين الذين يخوضان المحطة الأخيرة من سباق الحملة الانتخابية غير العادية التي عاشت على وقعها فرنسا طوال الأسابيع الماضية و التي انطلقت في دورتها الاولى بتنافس احد عشر مترشحا من اليمين و اليسار الوسط الى اليمين المتطرف و انتهت بخروج و غياب مرشحي ابرز حزبين  تداولا على الساحة السياسية الفرنسية طوال نصف قرن و انتهت بان وضعت وجها لوجه مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي ازاحت والدها من رئاسة الجبهة الوطنية  ومرشح الوسط المستقل وزير الاقتصاد السابق في حكومة هولاند و مهندس حملة الرئيس المتخلي و هو اصغر مرشح بين المتنافسين و قد يصبح اصغر رئيس  في اليزيه . و تعتبر لوبان ان منافسها وريث هولاند و رمز العولمة المتوحشة ..
هنا أيضا لا وجود لشعارات او لافتات في الساحات العامة والطرقات أو على واجهات المحلات ووسائل النقل العمومي ..
ومع ذلك فان المعركة الانتخابية تزداد شراسة فيما بقي من عمرها لا سيما على المنابرالإعلامية  والصحف اليومية و منها “لوموند “و “لوفيغارو” و التي بدت من خلال عناوينها وكانها تعتبر فوز ماكرون امرمحسوم ..ويسعى كل طرف خلال ما تبقى من الوقت لاستقطاب أصوات المترددين الذين يقدرون بين 22  الى 27 بالمائة من أصوات الناخبين  الذين بإمكانهم احداث مفاجاة في النتائج .
الساعات المتبقية قبل ان يتجه الفرنسيون الى صناديق  الاقتراع  يوم الاحد لحسم خيارهم بين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان والمرشح المستقل  ايمانويل ماكرون ستكون بمثابة الاختبار الحاسم .والأكيد ان من سيخلف  الرئيس فرانسوا هولاند الذي سيسجل التاريخ أنه أول رئيس متخل يرفض خوض السباق للفوز بولاية ثانية ,سيكون امام مهمة تاريخية لعلها المهمة الأهم و التي بدونها لا مجال لمواجهة تحديات الحرب على الإرهاب  و قضايا الاقتصاد و البطالة و غيرها وهي الانقسان الحاصل اليوم في فرنسا حيث لم يسبق ان عرفت الساحة الفرنسية مثل هذا الشرخ العميق الذي جسدته لغة الأرقام و التقارب الحاصل في نتائج التصويت في الدورة الأولى   من سباق الانتخابات الفرنسية.
وان بدت النتائج شبه محسومة لصالح ماكرون بعد المناظرة  التلفزية التي جمعت المترشحين ماكرون لوبان مساء الأربعاء خلال ساعتين و نصف  فان مفاجاة على طريقة الانتخابات الامريكية ليست بالامر المستحيل و ان كانت اغلب الأرقام منحت ماكرون تقدما واضحا على منافسته التي اختارت  طريقة الهجوم لاضعاف منافسها .
و يبدوان خيبة الامل رافقت نتائج المناظرة التي تطلع معها الفرنسيون لمعرفة مواقف المتنافسين  بأكثر وضوح  حول جملة من القضايا  الحارقة التي تشغل الراي العام الفرنسي  انتهت دون أن تشفي غليل المتتبعينو الذين تطلعوا الى المناظرة للحسم بشان خيارهم .و اول المنتقدين والد المرشحة اليمينية جان مارين لوبان الذي اعتبر ان ابنته لم تكن في خجم الحدث و ان غريمها ابدى صلابة حقيقية .
و اذا لم يحدث ما يمكن ان يقلب كل التوقعات و حسابات استطلاعات الراي فان المرشح الشاب ايمانويل ماكرون يتجه الى الفوز بكرسي الاليزي للسنوات الخمس القادمة …
ستسجل الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017 انها شهدت كل الاستثناءات و التناقضات و سجلت غيابا لاكبر الاخزاب التقليدية و تقدما مثيرا لليمين المتطرف كما لليسار المتطرف و كلاهما يقطع الطريق باتجاه تعزيو مواقعه في السباقات القادمة ..
و ربما هذا ما سجل عودة نشطاء المجتمع المدني و الساحة الثقافية للتحرك بكثافة في اعقاب المناظرة التلفزية للحث الفرنسيين على دعم ماكرون و الوقوف صدا منيعا امام خطر اليمين المتطرف ..و ما حدث فجر الامس على موقع برج التورايفيل مع اطلاق الافتة العملاقة التي تجسد  قيم الجمهورية “حرية مساواة اخوة “LIBERTE EGALITE FRATERNITE  ما يؤكد استنفار انصار فرنسا الديموقراطية و فرنسا الانفتاح على كل  الشعوب والاجناس و الأديان و الحضارات . و لعله من المهم التذكير بأن شعار “الحرية والمساواة والأخوة” الموروث عن عصر التنوير رفع أول مرة إبّان الثورة الفرنسية. وطالما تعرض هذا الشعار للطعن إلا أنه فرض نفسه في النهاية في ظل الجمهورية الثالثة، وأدرِج في دستور عام 1958 وهو يمثل اليوم جزءاً من تراث و هوية فرنسا .
حذر غموض و حرص على مبادئ الجمهورية في أعقاب المناظرة التلفزية التي وصفت بالمناظرة الاسوا في تاريخ الجمهورية الخامسة التي لم ترتقي الى ما تطلع اليه الناخبون من تنافس على الأفكار والبرامج ووقعت  المناظرة بدلا من ذلك في تبادل الاتهامات والحرب الكلامية  و الاستفزازات الهابطة .و قد تابع نحو ستة عشرة مليون من الفرنسيين المناظرة وهوأدنى  رقم يسجل في سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية بما جعل عديد الآراء تذهب الى أن  جاك شيراك كان على حق عندما رفض مواجهة جون مارين لوبان في 2002 والد منافسة ماكرون مارين لوبان التي اختارت مهاجمة منافسها خلال المناظرة و كيل الاتهامات اليه .
كيف ستكون فرنسا مساء الاحد 7 ماي و قبل يومين على موعد يوم أوروبا ؟الأكيد ان الإجابة ستكشفها صناديق الاقتراع في انتظار المحطة القادمة و هي الانتخابات التشريعية التي يعول اليمين المتطرف على تحقيق مفاجئة صاعقة خلالها ..ماكرون و في ما بقي من عمر الحملة الانتخابية يصر على الثبات و يسعى للفوز بأكبر عدد ممكن من أصوات الفرنسيين و هو و ان كان يتوخى التعتيم و السرية بشان رئيس حكومته فهو يؤكد ان لديه مرشح واضح و انه سيكون له حكومة من الوجوه الجديدة و لكنه سيسعى لوجود سياسيين لهم خبرة في مجالهم 

 

اسيا العتروس

[email protected]