مسلمو الغرب وإسلام الشرق | صحيفة السفير

مسلمو الغرب وإسلام الشرق

ثلاثاء, 09/05/2017 - 16:37

…و أنا أتصفح خريطة العالم، تذكرت على الفور مقوَلاتٍ محددة؛ محمد عبده، الإمام المجدد قال قبل زهاء المائة عام:  ذهبت إلى بلادٍ فوجدتُّ مسلمين و لم أَجِد إسلاماً و عدتُّ إلى بلادِ فوجدت إسلاماً و لم أَجِد مسلمين.  كان الإمام يعيش في فرنسا و لاحظ أخلاقاً كان يتمتع بها السلف الصالح من المسلمين في الصدر الأول و الثاني من الحقبة الإسلامية.  المهم أنه عاد إلى الشرق إلى بلاده فلاحظ أشكالاً إسلامية و لكنْ لم يشتمَّ رائحة المسلمين و لم يَرَ أخلاقهم.
وجد الإمام الناس في الشرق إلا من رحم الله إذا وعدوا أخلفوا و إذا حدّثوا كذبوا و إذا أُوْتُمنوا خانوا و إذا خاصموا فَجَروا.  قارن الإمام ذلك في معظم الغرب و تحديداً في فرنسا حيث كان يعيش فوجدهم في الغالب إذا حدثوا صدقوا و إذا وعدوا أوفوا و إذا أُؤْتمنوا لم يخونوا و إذا خاصموا لم يفجروا.  إستنتج الإمام أنّ هؤلاء صادقين و أولئك الذين لاقاهم في الشرق منافقون لاعتبار أنَّ آية المنافق أربع.
لذلك تم اتهامه بالزندقة و الكفر و الخروج من الملة لأن ما قاله لم يناسب المؤسسات الدينية في الشرق و لم يلاقِ هوىً لدى الحكام.  يذكرني -و الشيء بالشيء يُذكر- ذلك بيحي علي المَثْلاثْ عام ١٩٤٧ عندما إنتفض على حكم الأئمة فنشر إعلام الأئمة عنه وسط الدهماء أنه كافر و زنديق فقط لأنه كان يطالب بالحرية و العدالة لشعبه.  تم غسل أمخاخ الدهماء الذين كان المثلاث يطالب بحقوقهم فنصب الأئمة له محاكمة صورية و تم الحكم عليه بالإعدام؛ و بينما كان المثلاث يساق إلى المشنقة مغطى الوجه كان الدهماء المغسولة أمخاخهم يرددون بصوت عالٍ “الموت للزنديق.” طلب المثلاث من الذين على وشك أن يشنقوه، طلب منهم أن يرفعوا الغطاء الأسود عن وجهه لثوانٍ فقط؛ و عندما فعلوا ما طلبه منهم؛ نظر المثلاث إلى الدهماء المغرَّر بهم قائلا لهم:”إتفوا عليكم؛ شعب أردتُّ له الحياةَ فأراد ليَ الموت.”
الشاهد أن قصة الإمام محمد عبده مع الفرنسيين تعاودني كل خمس سنوات، عندما يفوز رئيس جديد بالرئاسة.  كم المشهد رائع و أنت ترى الرئيس القديم يهنىء الرئيس الجديد و يخلي له قصر الإليزيه، بدون أن تسيل قطرة دم واحدة و حولهما الجماهير تصفق و تبارك للرئيس الجديد و تشكر الرئيس القديم.
أذكر مرةً -من وحي قصة الإمام مع فرنسا و أخلاق المسلمين- أن المسكينة زوجة الرئيس الأسبق شيراك أهدتها إحدى السيدات في الخليج العربي ساعة في أثناء رحلة كانت ترافق زوجها فيها.  عادت إلى فرنسا فإذا بصحفيٍّ مغمور (لئيم) نشر خبراً في إحدى الصحف الفرنسية عن الساعة، فما كان من الجمعية الفرنسية التي هي برلمان الشعب الفرنسي إلا أنْ قالوا لزوجة رئيسهم: “أعيدي الساعة لبيت مال الفرنسيين.  لو كنتِ قاعدةً في بيتك و لم تكوني حرم الرئيس، هل كانت الساعة ستُهدى إليكِ؟” مسكينة تلك الزوجة شرشحوها من أجل ساعة فأعادتها صاغرةً مستسلمة.  ألم يقل عمر بن الخطاب لأحد ولاته”أعِدِ الهدية لبيت مال المسلمين، أكانت الهدية ستهدى لك لو كنت قاعداً في بيتك؟” هذا هو مكافحة الفساد الذي كان من أخلاق السلف الصالح و الذي نسيه المسلمون العرب بالتحديد و استعاده  منهم المسلمون الحقيقيون في فرنسا.  صحيح أنهم أعداؤنا التاريخيون و ساعدوا “إسرائيل” كغيرهم.  بَيْدَ أنني أحترم فيهم خصالاً محددة منها هذه الخصلة.

 

أ.د. علي الهيل