تونس "على كف عفريت" في مهرجان كان! | صحيفة السفير

تونس "على كف عفريت" في مهرجان كان!

سبت, 20/05/2017 - 13:10

ضمن اختيارات مهرجان كان 2017 الرسمية، يشارك فيلم "على كف عفريت" للتونسية كوثر بن هنية في قسم "نظرة ما" الموازي. واستوحي الفيلم من قصة واقعية هزت الرأي العام داخل وخارج البلاد في 2012 بعد أن اغتصبت "مريم" على يد رجلي شرطة.

بعد أن شارك لطفي عاشور بفيلم "علوش" عام 2016 في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة في مهرجان كان، تتبارى مواطنته كوثر بن هنية في هذه الدورة السبعين بفيلمها الروائي الطويل الثاني "على كف عفريت" في قسم "نظرة ما" الموازي (خارج المسابقة الرسمية على السعفة الذهبية). إضافة إلى فيلمين روائيين طويلين، فازت بن هنية في الدورة الأخيرة لمهرجان "أيام قرطاج السينمائية" بجائزة التانيت الذهبي عن وثائقي "زينب تكره الثلج". وبمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس "أيام قرطاج" منح رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي للمخرجة التونسية (40 عاما) الصنف الرابع من الوسام الوطني للاستحقاق الثقافي.

كان "الشلاط" الروائي الطويل الأول للمخرجة، والذي اعتمد بشكل كبير على الخيال وتقنيات الفيلم التسجيلي في نفس الوقت، مستلهما من قصة واقعية لمجهول كان يضرب أرداف النساء بآلة حادة "عقابا" لهن على لباسهن "المغري" وهو يجول شوارع تونس على متن دراجة نارية. وشارك "الشلاط" في مهرجان كان 2014 بعد اختياره من قبل جمعية الأفلام المستقلة للتوزيع ليعرض في قسم خاص بأفلام الجمعية ACID .

على غرار "الشلاط"، يستند "على كف عفريت" على أحداث واقعية هزت البلاد في 2012، فيروي الفيلم قصة"مريم" الفتاة المغتصبة على يد رجلي شرطة في حين تعرض خطيبها الذي كان برفقتها يوم الحادثة إلى الابتزاز  من طرف شرطي ثالث. كانت القضية قد أثارت ضجة واسعة تجاوزت حدود تونس، خصوصا بعد أن اتهمت الفتاة في بادئ الأمر بالنيل من الآداب العامة و"التجاهر بفعل فاحش". واستنكرت المنظمات الحقوقية والجمعيات والمحامون ما رأوا فيه محاولة للتخفيف على المعتدين والتستر على جريمة شنيعة.

الفيلم من بطولة مريم الفرجاني وغانم الزرلي وأنيسة داود ومحمد عكاري (وقد فارق العكاري الحياة قبل أيام من مهرجان كان، ويشار إلى أن الوسط الفني والإعلامي في تونس لا يزال تحت وقع الصدمة). ينحصر الشريط في الفترة الزمنية التي تسبق بساعات حادثة الاغتصاب والليلة المخيفة التي قضتها مريم بين المستشفيات ومراكز الشرطة وشوارع العاصمة. 
المسرح الكلاسيكي ينظم حبكته حول حدث واحد في مكان واحد وزمن واحد من ظرف 24 ساعة... في المقابل نشعر مع فيلم بن هنية أننا نعيش نصف-تراجيدية بأطوار متفرقة تكاد تكون مضحكة-مبكية من فرط تصنعها، فالبداية ثقيلة طويلة بجملة كليشيهاتها المستشرقة مع الرقص "البلدي" مثلا.

فنسهر مع مريم في إحدى النزل حيث تلتقي بيوسف وترافقه في نزهة على شاطئ البحر ويحصل ما يحصل. تقرر مريم بدعم يوسف تقديم شكوى. فكيف تشتكي للمعتدين من معتديها؟ نتابعها في متاهات المستشفى ورفض تسجيل حالتها فنكتشف في ظل "الرحلة" الحالة المتردية للمؤسسات العمومية وعبثية سيرها.

في الفيلم عديد من مشاهد العنف التي تبعث على الريبة باسم هيبة الدولة، والعنف المعنوي فيها يفزعنا أكثر من الجسدي، فحين يمارس رجال الشرطة ضغوطات على الضحية لتسقط الشكوى، يهددونها بفضحها وبكشف "اغتصابها" لوالدها. وسبق أن أكدت الجامعية التونسية هالة يوسفي لفرانس24 بشأن قضية "مريم" أن العنف الذي يمارس في حق كافة شرائح المجتمع ومن مختلف الأعمار حصيلة "ثقافة أبوية ذكورية مترسخة ذهنيا وأفرزت أبشع الأنظمة القمعية" وأن "شيئا لم يتغير سواء في عهد بورقيبة أو بن علي ثم حكومة السبسي وأخيرا الترويكا، الرمزية الوحيدة للقضية اليوم هي أن الشعب لم يعد صامتا" (وفجرت القضية في عهد ائتلاف الترويكا الحاكم). ويشار إلى أن تهمة "التجاهر بالفاحشة" أسقطت عن "مريم" وحكم على الشرطيين بـ 15 سنة سجنا.

في الفترة الأخرة هزت قضية "تسريبات قناة نسمة" تونس، ونسب التسجيل لصاحبها نبيل القروي الذي يحرض  فيها ضد منظمة "أنا يقظ"، ويدعو لاستخدام أساليب غير أخلاقية للإساءة عبر قناته التلفزيونية لهذه المنظمة. وفي حوار مع صحافية تقترح عليه الأخيرة الإضرار بإحدى أعضاء "أنا يقظ" عبر كشف حياتها الخاصة لوالدها.

ومثل هذه الأساليب "البوليسية" لا تقتصر بالسهولة التي تظهرها بن هنية على المؤسسة الأمنية، فأشكالها الأصعب إلماما تطال هياكل أخرى على غرار القضاء والإعلام... وإن حاولت المخرجة عدم الوقوع في فخ "الخير والشر" عبر بعض الشخصيات الثانوية لا سيما من ممرضات وشرطيين يحاولون مساعدة الفتاة، نأسف لنقص في الجرأة الراديكالية حيث يبلغ التعقيد النفسي والازدواج والشك حد عدم التفريق بين الضحية والجلاد. وإلا فما الذي يفرق بين الخيال السينمائي و"الحوادث المتفرقة" التي تحتفي بها الصحافة الرخيصة ؟ ألم تشاهد بن هنية أفلام فيرهوفن (هي) وفرهادي (البائع) التي عرضت في مهرجان كان العام الماضي وتناولت مسألة الاغتصاب الشائكة ؟ حتى لا نذهب إلى أفلام "قصوى" على غرار "بلا رجعة" لغاسبار نوي. أو حتى لنبقى في مرجع محلي فيلم "عرس الذيب"لجيلاني السعدي ؟

ضاهت في بعض المشاهد المسحة الجمالية الرسم الإيطالي في عهد النهضة (القرن السادس عشر) لا سيما عبر تلميحات دينية (فكاهية أحيانا و"تشكيلية" أحيانا أخرى) لمريم "العذراء" ممزوجة بتمثيل تونسي رمزي للبلاد والتحرر (البورقيبي؟) عبر قطعة "السفساري" التي تلتف فيها مريم ثم تخلعها، ونجحت فيها المخرجة في الجمع بين العمق التحليلي وطابع السخرية. لكن بغض النظر عن تلك اللحظات البلسمية، يبقى الأسلوب الطاغي مشابها لخط بعض المسلسلات السطحية عن خبر بائد بارد يعاد تسخينه وتزيينه وتجميله (فالمغتصبة هنا ترتدي ملابس داخلية وردية) ... لجمهور غربي ؟ هل تميل أوما تورمان رئيسة لجنة تحكيم "نظرة ما" لفيلم يسوق عبر زاوية ضيقة نكاد نقول "سوقية" بالمعنى التجاري، ولا تطال حتى القراءة النسائية ؟ سبق وأن صرحت لنا كوثر بن هنية، التي درست السينما والمتخرجة أيضا من معهد الدراسات التجارية العليا، في مهرجان كان 2014 "مهرجان كان من المهرجانات العريقة التي يحلم كل مخرج أن يعرض له فيلم في أقسامها وهو كذلك مفتاح مهم لتوزيع الفيلم وإعطائه فرصا أكبر للتواجد في السوق العالمية".

صحيح أن مسألة الجسد أساسية في التعاطي مع التفكير في الشأن الإنساني عامة، لكن أين الحدود ؟ بل بالأصح أين هو تجاوز الحدود الذي يجعل السينما مخيلة وذاكرة ترقى بالواقع أو تحطمه ؟ دافعنا مرارا وندافع من أجل تمثيل أكبر للسينما العربية في مهرجان كان، لا سيما التونسية منها التي أحرزت مؤخرا جوائز في أكبر المهرجانات  على غرار برلين والبندقية، لكن أملنا الكبير كان أن تختار فيها الأفلام على أساس قيمتها السينمائية لا انتمائها الجغرافي. فهل نرضى لشهود "الزيف" في كان أن ينتقوا لنا مثل هذه الأفلام، فقد قال المندوب العام لمهرجان كان  تيري فريمو عن "على كف عفريت" عند الإعلان عن الاختيارات الرسمية، وفي حين برر الميل لفيلم دون آخر لأسباب جمالية "تلك البلدان، تونس والجزائر... السينما تحاول أن تعيش حيث أمكن. ونحن سعداء بأن نكون على ذلك شاهدين".

نضع المواساة في كف انتظارنا (مع غودو) عودة الابن الضال التونسي عبد اللطيف كشيش الذي لم يتمكن من  المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان هذا العام بفيلم مزدوج بسبب مشكل في العقد الذي يربطه بالتلفزيون الفرنسي. وإلى حين ذلك، نضع آمالنا "في انتظار الوقت" للجزائري كريم موساوي الذي يتبارى مع كوثر بن هنية في نفس القسم من المهرجان، ومستقبلا في الجيل القوي للسينما التونسية بأسمائها الواعدة.

  
مها بن عبد العظيم