عند اقتراب منتصف ليلة البارحة، استطاع الصحفيون الموريتانيون حسم الاختيار الصعب، بعد يومين متتاليين من العمل الجاد الشفاف.
وإثر منافسة محتدمة، حققت لائحة "الإصلاح" النجاح بفارق تسعة أًصوات فحسب، على حساب لائحة "الإجماع"، ليُنتخب الزميل محمد سالم ولد الداه رئيسًا لنقابة الصحفيين.
وقد تقبل النقيب المنصرف أحمد سالم ولد مختار السالم النتيجة بروح رياضية.
ووسط خطابات متبادلة بين النقيبين صُحبة زميلهم السابق الحسين ولد مدو ثمّن الجميع هذا الجو الانتخابي الهادئ المسؤول.
فعلاً استطاع الصحفيون الموريتانيون تحقيق التناوب الذي عجز عنه الكثيرون، على مستوى الدولة مثلاً وبعض الأحزاب السياسية وغيرها من الهيئات.
ولوحظ في سياق المنافسة الانتخابية تدخل أحد مُسيِّري الهيئات الإعلامية الرسمية، دون أن يُفلح في كسر إرادة الكثير من الزُملاء داخل هيئته المُشار إليها، بينما ظل الحياد هو الطابع المُعلن على الأقل من قبل بقية مُدراء الهيئات الإعلامية الرسمية، وكان الزحام الانتخابي الإعلامي مُتقاربًا، عكسَ تنوعًا واختلافًا سلميًا عميقًا، ورغم ذلك كان التسليم بالنتيجة تلقائيًا وسلسًا وسريعًا ومُفحمًا باختصار.
لستُ ممن يقبلُ التحامل المفتوح على جسمنا الإعلامي والمبالغة في جلد الذات.
هناك سلبيات، إلا أن القطاع رغم نواقصه، قدّم لموريتانيا الكثير من الأداء النوعي الفعّال، من الأخبار والتحليلات والآراء والتوجيهات ونبش الملفات المستورة المُضِرّة بالصالح العام.
ورغم العيوب فالأجود هو المؤثر والنافذ في ساحتنا الإعلامية، وإن كان جديرٌ بنا تعميقُ أخلاقيات المهنة وتعزيز الموارد والوسائل المادية، لضمان بقاء المهنة واستقلاليتها وتماسُكِها.
لقد استطاع الصحفيون البارحة اختيار طاقم جديد لإدارة نقابتهم، وهي فرصة حقيقية، للعمل على تجاوز الوضعية الراهنة، وتكريس واقع أفضل بإذن الله، ومن واجبنا جميعًا أن نتعاون على ذلك.
لقد انتهت الانتخابات، فهي مؤقتة وعابرة، واليوم الصحفيون المعنيون تحت مظلة نقابتهم الميمونة، صفًا واحدًا، من أجل هدف واحد هو خدمة الإعلام في موريتانيا، دون تمييز بين الإعلام الخاص أو الإعلام الرسمي، إن صح الإطلاق، ودون تمييز إطلاقًا من أي نوع.
العلاقات بين الصحفيين طيبة وإننا نرنو جميعًا للمزيد من التسامح والتآلف والتعاون، من أجل الإعلام وتنمية البلد، الذي يعاني من الضعف والهشاشة من كل وجه.
أما ما حصل من حياد من طرف السلطة القائمة، ولو كان ناقصًا على رأي البعض، فإننا نُثمنه، وندعو مجددًا، للنظر في نتيجة الأيام التشاورية حول المهنة الصحفية، والعمل على تطبيق ما هو مستعجل، قصد الوصول تدريجيًا إلى تنفيذ توصيات تلك الأيام البحثية، التي شهدت الكثير من التداول والتأمل.
إن تعزيز الحرية الإعلامية أكبر خادم للتنمية داخليًا وسمعة البلد خارجيًا، وعلى الجميع التعاون من أجل رفع مستوى الخدمة الإعلامية في جميع المرافق، سواءًا كانت خاصة أو عامة، عسى أن نظفر يومًا ما بإعلام أخلاقي فعّال متوازن.
لقد عكس مؤتمر 20-21 مايو 2017 قدرة الصحفيين الموريتانيين على بحث ملفاتهم وحسم اختياراتهم الانتخابية، بعيدًا عن روح الكراهية والإقصاء، وإنما في جو من الإخاء والتفاهم والاستيعاب، وهي مؤشرات تُكرِّسُ تدريجيًا وحدة الصف الإعلامي، وينبغي أن نحرِص على تعزيزها وترسيخها، فهي من أهم المكاسب وهي أساس الإصلاح وبيئته الملائمة، المساعدة على الوصول للأفق المنشود.
ونطالب من هذا المنبر مجددًا بإلغاء قرار المفتشية العامة للدولة، والذي صدر مطلع سنة 2016 بأمر من الوزير الأول الحالي، والمانع للاشتراكات والدعاية والتكوين لصالح الصحافة المستقلة، والتسريع أيضًا بقانون تنظيم الإشهار.
وباختصار هذا المؤتمر المتميز كشف من جانب آخر عن تزايُد المنتمين لهذا القطاع، حيث ظهرت اللائحة الانتخابية، بأكثر من 1200 عضو، صوَّتَ منهم 252 للائحة "الإصلاح" و243 للائحة "الإجماع".
إقبال لائق وحيوية مُعتبرة، تحت مِظلة هذه النقابة الواعدة بإذن الله.
وفي المُحصِّلة كان الخطاب الختامي لكلا المُتنافِسيْن، متسامِحًا وأخويًا، وراقيًا بامتياز.
فهل بعد هذا كله، يمكن أن نُنكر أن صحفيي موريتانيا كرَّسوا التناوب بطعم مهنتهم الشيِّقة المؤثرة.
بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن