شهدت الرياض، عاصمة العروبة وقلب العالم الإسلامي، هذا الأسبوع قمماً ثلاثاً: سعودية - أميركية، أميركية - خليجية عربية، إسلامية - أمريكية، والرئيس الأميركي دونالد ترامب كان ضيف المملكة والملك سلمان في هذه القمم. وباعتقادي أن زيارة ترامب للمملكة في أول زيارة له منذ وصوله إلى السلطة له دلالات قوية على عمق العلاقات السعودية - الأميركية، على رغم ما شابها من برود في ظل إدارة الرئيس أوباما السابقة.
لا شك في أن هذا الحراك السياسي الذي قاده الملك سلمان لهذا التجمع الدولي لهو دليل واضح على أن المملكة تبرهن وكعادتها كل يوم على أنها تعمل وتترجم قناعتها على أرض الواقع للدفاع عن مصالحها الوطنية وعن قضايا العرب والمسلمين، كما أنه لا شك في أن العقود التجارية والعسكرية بين المملكة وأميركا لها أهمية اقتصادية للطرفين، من نقل للتقنية للمملكة وخلق الوظائف.
وعلى رغم أهمية هذه الصفقات إلا أنني أرى أن الموضوع الأهم الذي ركزت عليه هذه القمم، خصوصاً القمة العربية الإسلامية - الأميركية، موضوع الإرهاب والتطرف الذي يضرب منطقتنا والعالم، فمهما كانت خطط التنمية في دول العالميْن العربي والإسلامي ونجاحها إلا أنها في خطر من الإرهابيين، والذين - للأسف - يدّعون أنهم مسلمون من «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» و«الحوثيين»، ورعايتهم من النظام الإيراني. وكما قال الملك سلمان في كلمته أمام القمة إن المنطقة لم تعرف الإرهاب إلا بعد وصول الخميني إلى السلطة في 1979، وللأسف ما زال هذا النظام هو الراعي الأول للإرهاب في المنطقة، بإمداده الجماعات الإرهابية بأسلحة، مقدمة على مصالح شعبها الذي يعيش في أزمات اقتصادية واجتماعية!
الملك سلمان كان واضحاً بقوله إن إيران تستغل الدين الإسلامي لأهداف سياسية مغلفة بأغراض سياسية، ما أجج الكراهية والتطرف والإرهاب والصراعات المذهبية في المنطقة. الملك سلمان كان واضحاً وحكيماً عندما خاطب الشعب الإيراني بقوله: «إن الشعب الإيراني يحظى لدينا بالتقدير والاحترام، فنحن لا نأخذ شعباً بجريرة نظامه».
إن الإعلان عن إنشاء المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال) مركزه الرياض، لهو من أهم القرارات التي صدرت وتمخضت عن هذه القمة العربية الإسلامية - الأميركية، والذي سيعمل على التصدي لنشر الفكر المتطرف المستغِل للدين الإسلامي السمح ونشر قيم التسامح في المجتمعات العربية والإسلامية، وفضح المتشددين الذين يروجون للفكر المتشدد، مستغلين الدين الإسلامي للأسف. مثل هذا الجهد المؤسساتي المتبنى من الدول الإسلامية وعلى رأسها راعية الإسلام المعتدل السعودية يفرضه الموقف والرسالة للدفاع عن الإسلام والمسلمين.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضيف القمة كان واضحاً في خطابه أمام زعماء الدول الإسلامية المجتمعين في الرياض عندما قال إن 95 في المئة من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين للأسف، وأن هذا يتطلب تضافر الجهود المشتركة لمحاربة الإرهاب، وكان الرئيس ترامب واضحاً في موقفه من النظام الإيراني بأن هذا النظام يقف خلف المنظمات الإرهابية في اليمن ولبنان والعراق، وهو من يقف خلف نظام بشار الأسد في المجازر الذي يرتكبها ضد شعبه. مثل هذا الوضوح من قائد أكبر دولة في العالم له رسالة واتفاق في الرؤيا ضد المصدر الرئيس للإرهاب وهو النظام الإيراني، وأتمنى أن تترجم مثل هذه الأقوال إلى استراتيجيات سياسية لمحاصرة النزعة التوسعية للنظام الإيراني.
الرئيس الأميركي قال في خطابه إن على دول الشرق الأوسط أن تقرر المستقبل الذي تريده، وهذا باعتقادي سؤال مهم وملح على حكومات وشعوب المنطقة ونخبها الفكرية، وأجزم وأتفق مع الرئيس الأميركي مع هذا التساؤل، إذ يأتي افتتاح وإطلاق «المركز العالمي لمكافحة التطرف» خطوة مهمة في خيارات شعوب المنطقة عن طريق نشر السلام والرخاء والأمن في المنطقة كما قال الرئيس ترامب، وهذه أهداف تسعى إليها كل شعوب العالم.