بات من المرجح أنّ كل الدعاوىَ التي على أساسها قاطعت السعودية وحلفاؤها دولة قطر غير صحيحة في المطلق. فإذا كانت دعوى (دعم الإرهاب) فإن أمريكا الراعي الرسمي للحملة الدولية لمكافحة الإرهاب برّأت دولة قطر من دعم الإرهاب. كان ذلك واضحاً من خلال تصريحات وزيري الخارجية و الدفاع و السفيرة الأمريكية في الدوحة. أما التغريدات المتباينة أو حتى المتخبطة و المتناقضة للرئيس (دونالد ترامب) المتذبذبة إيجاباً و سلباً إزاء دولة قطر، فهي لا يُعتدُّ بها كثيراً لأنها من صفحته الشخصية و ليس من صفحته الرسمية. هذا ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية نقسها.
ثم كيف يمكن أن تكون دولة قطر راعية للإرهاب و أمريكا أبرمت معها أمسِ صفقة طائرات مقاتلة و قام وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري الدكتور خالد العطية من أمريكا بتجريب إحدى الطائرات الضاربة بنفسه (كونه طياراً مقاتلاً) التي شملتها الصفقة؟ و كيف يمكن أن تكون دولة قطر راعية للإرهاب و أمريكا أرسلت بارجتين بحريتين لإجراء مناورات مشتركة مع القوات البحرية القطرية؟ و كيف يمكن أن تكون دولة قطر داعمةً للإرهاب و وزير الدفاع الأمريكي صرح بأن أمريكا ستدافع عن سيادة قطر وفقاً لاتفاقية الدفاع المشترك بصرف النظر عن هوية المعتدي؟ هل يمكن أن تقوم الدولة العظمى الراعية للحملة العالمية لمكافحة الإرهاب بكل ذلك لصالح دولة قطر إذا أثبتت عليها دعمها للإرهاب؟
فقط السعودية وحلفاؤها اللاتي يدّعين أن دولة قطر داعمة للإرهاب و أما أمريكا و دول الناتو و دول الإتحاد الأوروبي و روسيا و الصين فلا تؤيد دعوىَ السعودية و توابعها. دول كثيرة في إفريقيا (بخششتها) السعودية و الإمارات لتكذب و تدّعي أن دولة قطر داعمة للإرهاب. الصومال و إريتريا و إثيوبيا رغم فقرهم رفضوا (البخشيش) السعودي و الإماراتي. طبيعي الشرفاء لا يُشتروْن بالمال. لأن الشرف من الأشياء التي لا تُشترى.
ما من ريب أن (دونالد ترامب) بصفته الشخصية أعطى السعودية و الإمارات ما فهموا منه أنه ضوء أخضر أمريكي لحصار دولة قطر مقابل زهاء نصف تريليون دولار قيل إنها مقابل شراء أسلحة و بناء مصنع للصواريخ في السعودية. في الواقع أنه كان ضوء أخضر (ترامب) و ليس أمريكي. الدليل هو مواقف وزارة الدفاع الأمريكية التي ذكرناها.
العربان يظنون أن أمريكا مثلهم، شخص واحد هو الذي يقرر. أمريكا فيها كونجرس بمجلسيه الشيوخ و النواب و هي دولة قانون و مؤسسات و فيها صحافة تراقب و تحاسب و لجان برلمانية تسائل و تعاقب. أمريكا ليست A One Man Show كمحميات العربان.
إذن لا دعم الإرهاب و لا الدعاوى الأخرى التي على أساسها تمت القطيعة ضد دولة قطر و فرض الحصار الشامل عليها. صحيح أن ثمة فرضية عن تقارير مفبركة ضد دولة قطر لأن دولة قطر على النقيض من السعودية وحلفائه تعتبر حركة حماس حركة مقاومة مشروعة و تلك تعتبرها حركة إرهابية و هو ما حدث بين عشية وضحاها هو أن دولة قطر منذ عقد و هي تخطف الأضواء من (الشقيق الأكبر) و توابعه في جميع المجالات تقريباً. لعل حصول دولة قطر على استضافة كأس العالم إلى جانب إنجازاتها العمرانية الداخلية و رفع مستوى معيشة شعبها بزيادة الرواتب و الأجور بشكل غير مسبوق عالمياًّ إضافة إلى إنجازاتها الخارجية السياسية و الإستثمارية الضخمة جعل (الشقيق الأكبر) يحنق على دولة قطر و يرمي من وراء الحصار إلى إضعافها. من المعروف خليجياًّ مثلاً أن دولة قطر عندما في ٢٠١١ رفعت رواتب موظفيها بنسبة ٦٠٪ قلبت الشارع السعودي رأساً على عقب و تطايرت ملايين التغريدات السعودية عبر التويتر مستهزئةً بالحكومة السعودية التي لا يزيد متوسط راتب الموظف فيها عن ١٠ آلاف دولار في السنة بينما يتجاوز متوسط راتب الموظف قي قطر ١٢٠ ألف دولار سنوياًّ.
إذن، هو ذاك بيت القصيد و مربط الفرس.
أ.د. علي الهيل
أستاذ جامعي و كاتب قطري