ما يحدث في الخليج وما بين دوله امر خطير ومثير للقلق. فلم يسبق ان وصلت العلاقات ما بين دول مجلس التعاون الخليجي الى هذا المستوى من التنافر والتباعد والحدة المتصاعدة. واعترف باني لحد هذه اللحظة لم اعرف السبب الحقيقي الذي أوصل الأمور الى هذا المنزلق الخطير. ولم اقرأ اي تفسير رسمي يمكن ان اجده مقبولا او مقنعا لهذا النزاع. كما اني لم اقرأ الا مقالات لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة اتسمت بالموضوعية والعقلانية وبنفس يحاول ان يقرب اكثر من ان يثير مشاكل جديدة.
عندما تصاعدت الأزمة بين الاطراف الخليجية تذكرت حادثة عشتها في ثمانينيات القرن الماضي ربما توضح وجهة نظري من المشكلة الحالية.
في ذروة الصراع والتنافر بين نظامي الرئسين الراحلين صدام حسين وحافظ الأسد ظهر الرئيس العراقي على شاشة التلفاز وهو يشن هجوما لاذعا على النظام في سوريا ورئيسه. ومن جملة ما قال ان الرئيس الأسد ألغى دور حزب البعث وحوله الى منظمة تابعة له يغير قياداته كما يشاء وانه حول الحزب الى منظمة تابعة له ولعائلته وانه قام بتصفية القيادات الحزبية وحل محلها أشخاص ياتمرون بأمره وأخيرا وليس اخرا فانه عين اخاه رفعت الأسد رئيسا لجهاز المخابرات وسلطه على رقاب القيادات الحزبية والوزراء والشعب. وكنت وانا اسمع هذه الكلمات اتبسم اذ ان ما كان يقوله، وهو صحيح، كان نفسه يجري ويفعله هو في العراق آنذاك.
ما دعاني لكتابة هذه السطور، غير الرغبة في ان ادعو من مركزي المتواضع الى تغليب الحكمة والهدوء ولغة الحوار على التصعيد، سببين، الاول ان هذه الأزمة اذا ما تصاعدت فسوف تقود المنطقة الاخيرة من الوطن العربي والتي تنعم بهدوء واستقرار نسبي الى نيران لا يمكن إخمادها. والثاني هو ما لاحظته وبألم ، ومعي الكثيرين، من ردود افعال الصحافة العربية والاعلاميين والمعلقين الذين ظهروا ومايزالون على الجمهور المتلقي، كل منهم يهاجم الطرف الاخر ويحرض عليه. وعلى الرغم من ان اغلب الصحف العربية الكبرى تدعي الاستقلالية والحياد والمهنية الا ان اول نتائج الأزمة الحالية هو الكشف عن تبعية هذه الصحف و مصادر تمويلها. ومن المؤسف انه رغم التاريخ الطويل للصحافة العربية الا ان اي منها لم يتمكن من إقناع العامة باستقلاليتها، و ربما تكون التكاليف الباهظة لاصدار وإدامة الصحف اليومية هو ما يجعلها تقبل بالمال المشروط، ولكن كان يفترض ان لا يكون ذلك على حساب الموضوعية والاهداف الوطنية العامة. وفي الحقيقة بان بعض الصحف الغربية ناقشت المسالة بموضوعية اكثر، لا بل حتى بعض الصحف الاسرائيلة كانت واضحة في مناقشتها لهذه الأزمة وكيف ان استمرارها يخدم المصالح الإسرائيلية. و يوسفني ان أقول ان الأزمة الحالية كشفت تبعية الغالبية العظمى من الصحافة و الفضائيات العربية بل وحتى بعض السياسيين . الامر المؤلم الاخر هو كثرة المتبرعين والمساهمين في التحريض والتصعيد واثارة كل طرف على الطرف الاخر، الذي لايمكن تفسيره الا طمعا في الحصول على مكاسب مادية. والسبب الذي يدعوني لقول ذلك ان كل ما قيل كان يحدث منذ سنين طويلة ولم نشاهد أية انتفاضة من هؤلاء المعلقين كالتي نشاهدها او نسمعها اليوم. ويبقى الامر الأكثر إيلاما هو انخراط عدد غير قليل من الأكاديميين وحاملي الشهادات العليا في حملات التحريض والتصعيد هذه وهم الذين كان يجدر بهم ان يتحروا الموضوعية والاسلوب العلمي في مناقشة الأمور. ان ما يحدث والخشية من تصعيدات اكبر ودخول اطراف خارجية منتفعة من هذا التوتر لابد وان يذكرنا بحوادث وتوترات نتجت عنها حروب لم يدفع ثمنها الا المواطن العربي ناهيك عن تبديد الثروات العربية على شراء الولاءات والسلاح وبعد ذلك تكاليف اعادة بناء ما دمرته هذه الحروب.
سعد ناجي جواد