إن الرؤية الحالية التي يتقاسمهاجميع الموريتانيين ، للمسار المأساوي لبلدنا لا محالة قد تختلف مع رأي أغلبية التشكيلات السياسية إن لم تكن جلها، و لهذا السبب لقد اعتكفنا في الأشهر الماضية و فحصنا تاريخ وطننا منذو الاستقلال و درسناه و محّصْنا بتأنٍ و موضوعية كل الفترات و الحقب المتتالية التي تعاقبت على كاهل الوطن و المواطن.
و وقفنا عند كل وقفة و حصرنا تفاصيلها من كل زاوية و خرجنا بنتيجة أن هذا البلد لم يشهد من الأنظمة شبه الشرعية و الديمقراطية نتيجة إنتخابات نزيهة و شفافة و توافقية، إلا نظاما واحدا بشهادة كل الاحزاب السياسية الوطنية و المجتمع المدني المحلي و الهيآت و المنظمات الدولية و المراقبين المستقلين المحليين و الأجانب.
إلا أن هذا النظام الشرعي لم يعش طويلا للأسف الشديد بسبب تواطؤ بعض الاحزاب السياسية من معارضة و موالاة.
هذا التواطؤ الذي فتح الأبواب للانقلاب عليه من طرف زمرة عسكرية متمردة أعفيت من مناصبها من طرف رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة و هو الذي يعين في المناصب السامية من يشاء و يقيل من يشاء في أي وقت يشاء حسب الدستور الموريتاني. و لإنهاء ظاهرة التمرد و الانقلابات التي أطاحت بهذا النظام الذي كان المُواطن يبني ويُعلق عليه كل آماله و تطلعاته، رغم عجزه و تكالب المناوئين له.
و بعد الانقلاب المشؤوم اصبح المواطن الموريتاني في حيرة من أمره إتجاه ساسته و لأسبابه الوجيهة لما آلت إليه الساحة الوطنية من تدهور على كل المستويات و لأنه مهما كانت مآخذ المعارضة على النظام الشرعي الذي أطيح به، و مساندة بعضها و محاورة بعضها الآخر "للإنقلابيين" و كذلك منظومة الفساد و التملق و النفاق التي وقفت مع هؤلاء المتمردين و دعمتهم كما دعمت الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت قبله على ظلم هذا الشعب و نهب خيراته.
إن هذه العصابة، الَتِي تجسد نظام التمرد و الإنقلاب على الشرعية و الفساد و الظلم و التهريب و الرشوة وغياب العدالة و تهميش الكفاءات و انعدام الثقة و الأمان.
هذه العصابة لم تُصْلِحْ شيئا مما أفسدت بعدما تغاضى الشعب الموريتاني و تجاوز لها عن خيانتها العظمى بتمردها وانقلابها على الشرعية، حين سايرها و خنع و انهزم أمام ما اقدمت عليه، واهمة إياه بإنصاف المحرومين و المهمشين و مساواة الجميع في الفرص و تقوية اللحمة الاجتماعية و التسيير المنصف للثروات الوطنية و محاربة الجهل و الفقر و البطالة، رغم توفر طفرة اقتصادية لم يسبق للبلد ان عاشها من قبل. إلا أن ما تبع الانقلاب من تخريب و فساد و نهب و ظلم وفضائح على كل المستويات حتى الاخلاقية منها، و في كل القطاعات وتجاوز كل المحرمات حتى المتفق عليه منها دوليا. بممارسة جميع أشكال و انواع التهريب و التعاطي سرا و علانية مع شتى انواع و أشكال عصابات الجريمة المنظمة في الإقليم و العابرة للقارات و تشهد على ذلك التسجيلات و الإتهامات المتداولة.
من هذا الطرف او ذاك. ووو.إلخ... و مواصلة لهذا المشوار البائس تقوم هذه العصابة الآن بما تحيكه من انقلاب على وثيقة الدستور و ما تبقى من رموز الدولة .
ما يهمنا هو رجوع الشرعية لمؤسسات مشروع الدولة، لقد كنّا على بداية طريق الأمل حين اكتملت لمشروع الدولة، مقومات التقدم و النهضة إبان حكم النظام الشرعي الوحيد آنف الذِّكْر، ومع ذلك لم نزدهر و لم نتقدم لأن جل من يعتبرون أنفسهم "قادة الرأي و ساسة المجتمع" لا يهمهم تقدم البلد و لا ازدهاره و إنما يهمهم مصالحهم الضيقة و الدليل على ذلك قبولهم جميعا للإنقلاب و لكل مغتصب للحكم دون تحريك ساكن، و كذلك تأييد بعضهم و محاورة البعض الآخر.
إنه لمن المؤسف أن هذه "النخبة" الركيكة التي تغير قناعاتها مع المتغلب على الكرسي في لعبة سيزيفية لا نهاية لها بغض النظر عن شرعيته او عدمها و يتموقعون مع من يتوهمون انه سيدفع اكثر، و تأخذ خطاباتهم أشكالا و ألوانا كأن للحرباء طبقة سياسية مستنسخة و متأصلة في واقعنا السياسي المتعثر دوما بهذه الممارسات الموبوءة و الممقوتة .
هذه الطبقة السياسية التي أصبحت تعالج الخيبة بعد أن زج بها حب التملق في الدرك الأسفل من الرذالة و بيع المواقف بأبخس الاثمان لهذه العصابة المتمردة و المنقلبة على الشرعية. إن الموالاة الداعمة و الموالاة المعارضة و الموالاة التي تتقنع أنها معارضة و المعارضة الأخرى بكل تسمياتها و الوانها بدون استثناء، قد سقطت إلى الحضيض من اعين المواطن الذي يعيش آهات و آلام و متاهات ما اتفقت عليه في ما بينها مع العصابة المتمردة الخائنة خيانة عظمى و المنقلبة على منظومة قيم الجمهورية.
كلنا يعلم يقينا أن سلطة الأمس هي معارضة اليوم بأذنابها و سلطة اليوم هي معارضة الأمس بأذيالها، و هنا نحمل هذ الرهط السياسي بتفاصيله وجزئياته المسؤولية التاريخية لما قام به من تضليل للرأئ العام الوطني على كل المستويات و ليتأكدو جميعا أن محكمة التاريخ ستحاسبهم على ما اقترفوه من جرائم يندى لها الجبين في حق هذا الشعب.
و لهذه الأسباب فإن الأغلبية الصامتة و القوى الحية قد أتضحت لها الصورة القاتمة و المخيفة لمستقبل هذا البلد الذي عبثت و تعبث به عصابات ممن لا همً لهم إلا جيوبهم يتفننون في تركيع المواطن البسيط و إذلاله ونهب خيراته.
إن ما نعبر عنه هو ما يريده المواطن البسيط المطحون و المغلوب على أمره من عيش كريم و دواء صالح و تعليم و سكن و ماء صالح للشرب وكهرباء آمنة و مساواة وعدالة و شفافية في التسيير و إلخ...
إذ نناشد كل المواطنين الذين ليس لهم من الاوطان غير بلدنا موريتانيا، الوقوف في وجه هذه العصابة المتمردة الخائنة للوطن و الولاء و المنقلبة على الوطن و المواطن، لتفادي تفتيت و تخريب و تجزئة بلدنا إلى اجزاء متناحرة كما وقع في بلدان اخرى.
كما ندعوكم للتضحية بالغالي و النفيس من اجل العودة للشرعية و الرجوع إلى رأي المواطن عبر صناديق الاختراع من دون مشاركة هذه العصابة المتسلطة و اعوانها لأن مكانها الحقيقي ليست الواجهة وإنما السجن و مزبلة التاريخ. علينا جميعا ان نكون مستعدّين أن نملأ يوم فضيحتهم و صناديقهم صناديق الإفتراء، من الأوساخ و النفايات التي تركوها تتكدس في شوارع مدننا و في المساجد و المرافق العمومية و أن نملأ بالزبالة فوهة الدّبابة إن كانت موجهة على المواطن لإرعابه او تخويفه او ثنيه عن الدفاع عن حقه و عرضه.
و سنعمل جاهدين معا ان تعيش موريتانيا في القريب العاجل انتخابات شفافة و نزيهة و توافقية تعكس تطلعات أغلبية شعبنا. عاش المواطن الموريتاني عاشت المساواة لكل الموريتانيين لا يشعرون فيها بظلم او إقصاء او تهميش عاشت موريتانيا متصالحة مع نفسها في خدمة جميع ابنائها و تبقى مزبلة التاريخ للحثالة المتآمرة على الوطن و المواطن و الله ولي التوفيق.
محمد المختار هيبه