عجبا لنخبة هذا المنكب البرزخي القصيِّ المغلوب على أمره وهمْ يتبارون كلٌ باسمه ووسمه وموقعه وتموقعه...على أيِّ ضفة كان موالاة أو معارضة في طمس الحقائق وتزييف الوقائع كأنما ألزموا أو كلفوا أو خلقوا..لذالك!! ففي الموالاة مثلا ما إنْ يقرّر رئيس الجمهورية زيارة لولاية أو مقاطعة أو مدينة أو قرية أو أو...أضناها الحزن والألم والحرمان..وأشقاها النكد والحيف والطغيان.. سنين عددا, بغية التحسّس لمراميها ومآربها.. والتعرف عن قرب على معاناتها ومآسيها.. عساه يرمّم وضعا مأساوياً أو يبلسم جراحا غائرا أو يطبُّب مريضاً حائراً أوْ يمدُّ ضعيفا خائرا أو يعزز وحدة وطنية أو يبعث عزة هاشمية أو يوقظ ضمائر أو يحرّر عقولا.., حتى تجد الأطر والوجهاء والوزراء والمدراء والشباب والكبراء والمنتخبين والمثقفين والسياسيين والمهرّجين.. يسابقون الرّيح من أجل طمس أيّ مظهر من مظاهر البؤس والحرمان أو أيّ ضرب من ضروب المذلة والهوان.. يرمّون ما وهى ويرأبون ما ثئى..ويطلون الجدران ويكنسون الشوارع وينمّقون الأزقة والساحات ويسابقون الدقائق والساعات... ولو استطاعوا أن ينزلوا الغيث لأنزلوه أوْ يستلموا الفرقد لاستلموه,!! من أجل ألاّ يكدّر صفو زائرهم مكدّرْ أوْ يعكّر مزاجه معكّرْ.. أمَّا أنْ يصدح عمدة بملء فيه بنواقص دائرته الانتخابية ومآربها أمام الرئيس أو الوزير أو الأمير.. وعلى رؤوس الأشهاد, أوْ ينوب نائب عمّن انتخبوه تحت قبة برلمانه بالتنويه بمطالب البلاد والعباد...فذالك ضرب من ضروب الخيال بلْ إنه من سابع المستحيلات والدّلال,!! أما كان من الأجدر بكم يا سادة وأنتم المؤتمنون على مصالح هذه الولاية أو القرية والمدينة.. والقائمون بأمرها والناطقون باسمها والقافزون إلى المناصب السامية عبر صناديقها وشعوبها...بلْ وأكثر من ذلك المفترض فيكم أنْ تكونوا الحامين حماها والذّابين عن حياضها ومراميها.., أقول: أما كان من الأجدر بكم والحالة هذه أنْ تصدقوا رئيس الجمهورية في سبر أغوار أحزانها ومآسيها.. ومكمن نواقصها ومراميها.. وتحدّثوه صادقين دون أدنى مواربة أو غضاضة أوْ رتوش.. عن حالها ومآلها وحتى عن مواضي مواضيها.. بحثاً لها عمّا يطعمها ويسقيها ويلمُّ شعثها ويشفيها..؟؟ ألستمْ من سدنتها وأباتها؟؟ بلْ أنتمْ حماتها ورعاتها.. الذين يقول فيهم رسول الله صلى عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسؤولٌ عن رعيته} أو كما قال صلى الله عليه وسلم وإنّ لنا معاشر المسلمين في رسول الله أسوة حسنة
إنّ منْ يريد منكم أن يحسن لرئيس الجمهورية أو يقدّم له خدمة جليلة وعظيمة.. أوْ يسدي له النصح الذي سيثلج صدره ويبدد حزنه إن شاء الله عاجلا وآجلا هو: أنْ يحدّثه عن واقع دائرته أو ولايته أو مدينته أو قريته.. دون أدنى إفراط أوْ تفريط فإنه بهذه الخدمة النبيلة يكون قدْ أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد:صدق الرئيس وقال الحقّ وبرَّ ضميره وأدّا أمانته.. ومثّل مدينته وناخبيه ومنتخبيه أحسن تمثيل وبجّلهمْ أروع تبجيل.. فلله دره لقد أجاد وأفاد ومثّل البلاد والعباد... وخلاهُ ذمٌ.
أمّا إذا يممت الضفة الأخرى أيْ ضفة المعارضة الناطحة وما أدراك ما المعارضة الناطحة!! فستجد العجب العجاب وما تحارُ له العقول والألباب!! تجدهم يتبارون ويتماهون في الشتائم والسباب ويتوعّدون بالويل والخراب ويعزفون على وتر الكوارث والحرمان ويدقّون ناقوس الزلازل والأحزان!! فإن كنت عن حالهم سائل أوْ بقولهم قائل فإنك: بكل تأكيد لمْ تجد طريقا معبدا ولا مطارا مشيدا ولا بساطا ممددا.. أحرى أنْ تبصر نهرا جاريا أوْ مخددا!!! فإنْ كنت عن نهجهم راضيا أو بسنتهم مقتديا أوْ على دربهم غاديا.. فإنّ من حصافتك وذكائك ودهائك.. وربما من جمالك ودلالك ونجارك... ألاّ تنظر إلاّ إلى الجانب الفارغ من الكأس وأمّا ما عدى ذالك فيعدّ في هديهم المقدسْ وسمتهم المؤسسْ ردة وهوانا بلْ ومنقصة وحرمانا ومنكرا من الفعل وخذلانا.. وعمالة للنظام الحاكم وطغيانا..!! لا كفارة له تجتبى ولا مروءة لصاحبه ولا شهامة أوْ إيباء!!
فالرئيس والحكومة في نظرهم مفلسان ومفسدان.. والوطن والوحدة الوطنية مهددان ومدمران.. غراب بينهم على الديار ينعب ويصيحْ, وضمضهمُ الغفاري يولولُ وينوحْ!! ما رأواْ في هذا العهد الميمون خيرا وما لمسوه وليسوا بمنتظرينه منه أوْ طامعوهْ..!! فكل وعوده في نظرهم شعارات جوفاء وكل إنجازاته ألاعيب خرقاء وكل موالاته جوقة حمقاء..لا يرجى منها خير ولا وفاء ولا يؤمّل منها سداد ولا بناء ولا يعوّل عليها في داهية دهياء!! وإنّما الخلاص والسداد في نظرهم التخليص والتخلص من الأغلبية وإلى الأبد ومحو كلما كان في عهدها من محن وإحنٍ ونكدْ..!! وأمّا ما عدى ذلك في نظرهم فلا يراهن عليه أوْ يختار بلْ ولا ينبغي أنْ تشتغل به البصائر والأبصار..,!!
وخلاصة القول أيها السادة موالاة ناصحة ومعارضة ناطحة: لقد ذهبتم بعيدا وحززتم في غير مفصل زمنا مديدا وتباعدت منكم القلوب والأبدان وخلّفتم ورائكم الحقّ والحقيقة والبرهان..!! فما كلكم لكلكم بوامق وما بعضكم ببعضكم بواثق.!! والحقيقة أنه يجب ألاّ يكون هناك إفراط أو تفريط على حدّ قول القائل:
ولا تغل في شيءٍ من الأمر واقتصدْ***كلا طرفيْ قصد الأمور ذميمُ
فلا يوجد كمال مطلق ولا يوجد نقصان ماحق محقق فكل من ذالك كله نسبيٌ إلى أبعد الحدود, ولقد كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول: (رحم الله امرأ أهدى إليَّ عيوبي,) إذا فعلى الأغلبية أن تعترف بالنواقص التي ما زالت تبحث عن حل رغم أهمية المنجز في ظرف وجيز, لكنه على المعارضة أيضا لكيْ تكون مقنعة فيما تذهب إليه وتدّعيه.. أنْ تعترف ولو مرة واحدة بإنجاز مَّا من الإنجازات الكثيرة في هذا العهد الميمون, وإن الإنصاف من شأن الأشراف كما يقولون, وإلاّ فإنّ الكلّ يغني على ليلاه غير آبه بما يترتب على ذلك من متاهات ومطبات.. ومهاترات وخزعبلات..!!
ولقد أحسن ابن دريد إذ يقول في مقصورته الشهيرة:
إذا تصفحت أمورَ الناس لمْ***تلفَ امرأ حاز الكمال فاكتفى
ويقول الشاعر وأحسن هو الآخر أيّما إحسان:
ولستَ بمستثنٍ أخاً لا تذمّه***على شعثٍ أيُّ الرجال المهذب
وفي الختام {إنْ أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقيَّ إلاّ بالله عليه توكلتُ وإليه أنيب}
هذا (عتابكمْ) إلاّ أنه مقة***قدْ ضمّن الدرَّ إلاّ أنه كلمُ
ويبقى والودُّ ما بقيّ العتاب, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
بقلم/: المصطفى بن أمون [email protected]