خمسون عاما مرّت على إحتلال القدس ومقدّسات المسلمين والمسيحيّين وما تبقى من فلسطين، وإسرائيل تواصل احتلالها واعتداءاتها دون رادع . لقد رفضت كل توسّلات العرب والمسلمين والعالم لقبول حل سلمي للصراع، واستمرّت في تهويد فلسطين وقدسها ومساجدها وكنائسها، وأخيرا منعت الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه، وزادت قتلا وبطشا وتنكيلا بهم .
القدس تحترق، والفلسطينيون العزّل يواجهون الصهاينة ببسالة وتضحيات جسام، والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يدنّس ويمنع فيه الأذان والصلاة وذكر الله، وفلسطين تصرخ واعرباه، واإسلاماه، والعرب والمسلمون لا يفعلون ما يكفي لدعم إخوانهم ونصرة دينهم والدفاع عن مقدّساتهم ! التفاعل الجماهيري العربي الإسلامي الذي حدث ما زال ضعيفا، وكان معظمه على وسائل الإتصال الإجتماعي " السوشيال ميديا " ولم تشهد العواصم العربية تحركات جماهيرية حاشدة تضغط على حكوماتها وتطلب منها القيام بإجراءات فعليّة ضدّ إسرلئيل .
أما الحكام العرب فقد قاموا كعادتهم بواجب " الإستنكار والتنديد، وطالبوا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالتهدئة، ودعوا إسرائيل باستحياء إلى إزالة البوابات الإلكترونية التي أقامتها على مداخل الأقصى، واحتجّوا للمرة الألف على تهويد القدس والأماكن المقدّسة ،" ومنعوا معظم شعوبهم من التظاهر والإحتجاج العلني المنظّم على جرائم إسرائيل لأنهم لا يجرؤون على إغضاب تل أبيب وواشنطن !
الصهاينة بتصرفاتهم الحاليّة في القدس يمعنون في إهانه وتحدّي العالمين العربي والإسلامي ! فأين الشعوب العربية ؟ وأين الحكّم العرب ؟ وأين جامعة الدول العربية ؟ وأين الجيوش العربية ؟ وأين رجال ديننا الشرفاء ؟ وأين منظّمة العالم الإسلامي والمشايخ الذين حرّموا الجهاد في فلسطين وجعلوه فرض عين على كل مسلم في تدمير سورية واليمن والعراق وليبيا والصومال وأفغانستان ؟ و هل نسي الحكام والمشايخ أن الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ؟
القدس المحتلة ملك للمسلمين من عرب وعجم وترك ... وللمسيحيين الفلسطينيين والعرب . ولهذا فإن الدفاع عنها وتحريرها هو واجب دولهم وشعوبهم جميعا، لكن الشعوب ما زالت مغيّبة ومقيّدة وممنوعة من القيام بواجبها والمشاركة في تحريرها ! إسرائيل تدرك أن عدوّها اللدود هو الشعوب، ولهذا فانها هي والحكام العرب يعملون لإبقاء الشعوب بعيدة عن هذا الصراع واشغالها بحروب وخلافات سياسية ودينية لتظل ضعيفة، مفككة وغير قادرة على مواجهة إسرائيل والتصدي لأطماعها التوسعيّة.
إسرائيل تستخف بنا شعوبا وحكّاما، وتعمل على تحقيق أهدافها التوسعيّة . ولهذا فإنه من الأفضل للحكام العرب الذين أقاموا معها سلاما رسميّا ترفضه شعوبهم أن يعيدوا النظر في اتفاقات سلامهم ، وأن يتخلّى الفلسطينيون عن أوهام سلام اوسلو، ويوحّدوا صفوفهم، ويتّفقوا جميعا على استراتيجية موحّدة لمقاومة الإحتلال، وأن يتوقّف الحكّام العرب عن الهرولة إلى تل أبيب، ويسمحوا لشعوبهم بالوقوف إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين في مقاومتهم للإحتلال !
إن الذين يحلمون بسلام مع الصهاينة هم كمن يحرث في البحر.إسرائيل لا تريد سلاما. إنها دولة حرب ودماء وتوسّع، ولن تذعن للسلام إلا إذا تحرّكت الشعوب العربيّة والإسلاميّة بالملايين، وشاركت الفلسطينيين في مواجهتها وحوّلت الصراع معها إلى صدام يوميّ في الداخل المحتل وعلى حميع الحدود مع الدول العربية .إننا نأمل أن ما يجري في القدس من انتهاكات مذلّة للعرب والمسلمين سيتحوّل إلى انطلاقة جماهيرية تغيّر المعادلة، وتقلب الطاولة على رأس الصهاينة. الشعب الفلسطيني البطل، بمسلميه ومسيحييه، يتصدى للصهاينة ويدافع عن مقدّساته بصدورعارية، ويؤمن بأن الشعوب العربية والإسلامية لن تنساه أبدا، وستتمرّد على سجّانيها وجلاديها وتشاركه في معركته لإنهاء الإحتلال .
كاظم ناصر