أعترف، والاعتراف سيد الأدلة، أنني قضيت يوم الخميس الماضي، أمام جهاز التلفزيون، في انتظار ما سيسفر عنه اجتماع وزراء الإعلام في دول الحصار المنعقد في جدة، لا سيما وأن هذا هو الاجتماع الأول لهم، وأن الموضوع الذي شد من أجله القوم الرحال إلى المملكة هو قناة «الجزيرة»، ثم كنت كمن صام وأفطر على بصلة!
كان من الواضح، أن وزراء الخارجية، المنوط بهم التعامل مع موضوع قطر، لم يعد لديهم جديداً يقولونه، فبدا اجتماع المنامة كاشفاً عن حالة التردي، فبعد الإعلان في اجتماع سابق عن شروط ستة، وهو ما فهمه الجميع على أنه تراجع عن الشروط الثلاثة عشر، ولأنهم جسدوا المأساة، وسخر منهم الناس لتراجعهم، ففي اجتماع المنامة، كان الإعلان عن أن تمسكهم بالشروط الثلاثة عشر، أما الشروط الستة فقد قالوا إنها مبادئ، ثم تحدثوا عن الحوار، وهم من قالوا من قبل إنه لا حوار قبل تنفيذ هذه الشروط!
خيبة الأمل كانت بداية على وجوه من حضروا المؤتمر الصحافي للقوم في البحرين، وكانوا يظنون أنهم سيخرجون من المؤتمر بـ»المانشيت»، فإذا به خبرا يصلح لصفحة «المنوعات» مع الرأفة، بجانب هذه الزاوية.
ومن باب التجديد، كان اجتماع وزراء الإعلام، ورابطت أمام قناة «الجزيرة»، وفي العادة، فإن هذه القناة القطرية تنقل مؤتمرات الأعداء، وتبرز أهم ما يقولون، ولو كان تطاولاً على الدوحة، وكأنك تشاهد قناة «العربية»، أو «سكاي نيوز»، يوشك أن يعلن مذيعها، أن معه من القاهرة: عمار علي حسن، ليعلق على هذه الأحداث، وعمار جاهز دائماً، حتى للتعليق على الدور القطري في كرة القدم، وانتقال لاعب من النادي الفرنسي إلى الأسباني، أو العكس، وهو أمر أدلى عمار علي حسن بدلوه فيه، وليست لدي اهتمامات كروية، فلم ألم بالموضوع، غير أنه هجوم على قطر والسلام، يجري به تحدي الملل من الرتابة التي باتت تحكم شاشات القوم، ورغم أن المذيع استخدم لغة الجسد، وبدا متحمساً، وهو يطرح القضية على ضيفه من القاهرة، إلا أنه كان كمهنوك على منهوك!
نقل «الجزيرة»، مؤتمرات دول الحصار، وإبراز ما يقولونه ضد قطر، هو أداء عالي الجودة، وفضلاً عن أنه يؤكد التزام «الجزيرة»، بشعارها الأثير: «الرأي والرأي الآخر»، حتى في القضايا الحساسة، فإنه يمثل مكايدة رفيعة المستوى، عندما تقول لخصمك، إن كلامه ضدك لا يزعجك، والدليل أنك لا تجد ما يمنع من أن تعيد نشره وإذاعته، وهذا يعد دلالة على الثقة في النفس، وفي استقامة المنهج، وعدالة الموقف. ولا يستطيع إعلام دول الحصار أن يقلد «الجزيرة» بنقل المؤتمرات الصحافية لمسؤولين قطريين.
«الجزيرة» عودتنا على قطع برامجها ونقل المؤتمرات الصحافية لوزراء خارجية دول الحصار، حيث تنقله «الجزيرة الأم» و»الجزيرة مباشر» معاً، فلما وجدتني انتظرت طويلاً دون نقل المؤتمر الصحافي للسادة وزراء إعلام دول الحصار في جدة، اعتقدت أن القناة القطرية تراجعت عن سياستها، فكنت أذهب إلى «العربية»، و»الحدث»، و»سكاي نيوز»، لعلي أجد على النار هدى، فلا حس ولا خبر، إلا من خبر يتيم عن الاجتماع، ثم لا شيء!
عدت لـ «الجزيرة» فوجدت ما نتج عن الاجتماع ليس أكثر من خبرين في شريط الأخبار، فأين المؤتمر الصحافي!؟
المطالب سيئة السمعة
لقد جاء ما يشغلني، فتوقفت عن المتابعة، وفي صباح يوم الجمعة (4 أغسطس)، وقبل كتابة هذه السطور، ذهبت أبحث عن ما قرره الأشاوس، لاكتشف أنهم لم يعقدوا مؤتمراً صحافياً، وإنما اكتفوا بإصدار بيان، ليس فيه ذكر لقناة «الجزيرة». وفي الحقيقة أن الإعلان عن أن القناة هي موضوع الاجتماع، يدل على حالة التخبط والارتباك، التي تحكم تصرفات القوم!
في البدء تم الإعلان عن الهدف الأسمى للحصار، هو إغلاق قناة «الجزيرة»، وهو أحد البنود الثلاثة عشر في قائمة المطالب سيئة الصيت، وكان هذا الشرط وحده كافياً لإثبات أن الحصار ينطلق من بيئة معادية للإعلام، وتؤمن أن الصحافة جريمة، فألبوا عليهم الرأي العام الصحافي في كل أنحاء المعمورة، واستشعرت بعض الدوائر الموالية لهذا الحصار خطورته في الوقت الضائع، فذهبوا لإحداث ثغرة بالإدعاء أن إغلاق «الجزيرة» لم يكن ضمن مطالب دول الحصار!
عندما يتم الإعلان عن أن وزراء إعلام دول الحصار الأربع، قرروا الاجتماع في جدة، وجدول الأعمال من بند واحد، وهو قناة «الجزيرة»، فإن هذا ما أعطى الأمر أهمية عندي، فماذا يمكن أن يكون الموقف، ووزراء إعلام أربع دول يجتمعون على قلب رجل واحد، وفي جدة؟!
من الواضح أن «فاعل خير»، نصح أهل الحكم في المملكة العربية السعودية، بالابتعاد عن «الجزيرة»، حتى لا ينظر إليهم المجتمع الدولي على أنهم وفدوا من كوكب المريخ حالاً، فهذا العالم يقبل قمع الإعلام في السر، لكن لا يقبل هذا في العلن، وقد كانت الخشية من أن تتبدى عورات هذه الدول للناظرين، بعد فضيحة وضع شرط إغلاق «الجزيرة» ضمن الشروط الثلاثة عشر سيئة السمعة!
خطاب الكراهية
لقد تمخض الجبل فولد فأراً ميتاً، وجاء بيان وزراء الإعلام باهتاً وتحدث عن خطاب الكراهية، الذي تتبناه قطر، دون تفصيل، فصار شبيهاً بالاتهام الوارد في القانون المصري واحتارت البرية في فهم معناه، وهو «تكدير السلم العام»، وينتمي إلى ذات فصيلة التساؤل المشروع لوزير خارجية الإمارات عن لماذا لم تساهم قطر في نشر الابتسامة، وهو ما دفع كثيرين إلى تبني الدعوة لإطلاق «الجزيرة كوميدي»..»فكرة جيدة»!
«الكوبليه» الثاني في البيان، هو أن قطر تقوم بتسييس شعيرة الحج، وهو ما صال فيه البيان وجال، وأكد وزير الإعلام السعودي، أن قطر تخلط الأوراق وتستغل هذه الشعيرة العظيمة لأهداف سياسية ضيقة!
وهذا يمثل جوراً على اختصاص وزراء الأوقاف والشؤون الدينية في بلد الحصار، الذين عليهم أن يجتمعوا في مكة هذه المرة، لكن وزراء الإعلام وقد منعوا من الهجوم على «الجزيرة»، فقد دخلوا على اختصاص زملائهم وهم الأقدر على إعطاء مسحة دينية، وهم الأكثر على الخطابة، وإثارة المشاعر، بـ «قال الله وقال الرسول»!
«تدويل المقدسات» موضوع حساس لدى القوم من آل سعود، لأنه مرتبط بـ «السبوبة»، وهم يستمدون نفوذهم الديني، من المسؤولية عن الأماكن المقدسة، لكن قطر لم تدعو إلى تدويل المقدسات، بمعنى تدويل إداراتها، فقد قالت إنها ستقوم بتدويل قضية منع حجاجها، لأن السلطات السعودية منعت عملياً استقبال الحجاج القادمين من قطر، سواء القطريين أو الوافدين، وهو أمر يحدث للمرة الأولى، وحدوثه يعطي مشروعية لمناقشة قضية البديل للإدارة الحالية غير المسؤولية، فقد كان يحدث في السابق، أن يُمنع أشخاصاً فقط من أداء الحج أو العمرة، كما حدث مع الكاتب الراحل عادل حسين، لكن لم يحدث أن تم منع حجاج دولة ومعتمريها كما حدث في هذه الأيام، وقرأنا في أول أيام الحصار، عن القبض على المعتمرين القطريين ومنعهم من استكمال المناسك، وإعادتهم إلى بلادهم، ولا أنكر أنه في ذات اللحظة التي استمعت فيها إلى هذه الوقائع، تذكرت الدعوة إلى تدويل المقدسات.
تدويل المقدسات
قطر ليست صاحبة هذه الدعوة، ولكن للتذكرة، فإن صاحبها هو الأخ العقيد معمر القذافي، ولم يؤوب معه أحد، سوى صحيفة حزبية كانت تصدر في مصر، وهي صحيفة «مصر الفتاة»، التي كان يرأس تحريرها مصطفى بكري، لحساسية الدعوة، ولنفوذ السعودية في مصر، ورغم أن القذافي كان له أنصار في القاهرة، فلم يتبن أحد هذه الدعوة، لأن النظام المصري وإن كان يتجاوز عن رحلات الحج والعمرة التي يقوم بها سياسيون إلى ليبيا، فلن يتسامح في إغضاب المملكة العربية السعودية!
ذات أسبوع صدرت «مصر الفتاة»، والمانشيت الرئيس هو دعوة الأخ العقيد لتدويل المقدسات، ورد النظام بعنف، فقد أغلق الجريدة، وجمد الحزب الذي يصدرها، ولا يزال مجمداً إلى الآن، فقد مات كل مؤسسيه وكل من تنازعوا على رئاسته!
ورغم خصومتنا مع الأخ العقيد، حيث كانت بيننا قضايا ومحاكم، إلا أن الإصرار السعودي، على تزوير المطلب القطري، ذكرنا بدعوته، التي تبدو وجيهة الآن، عندما يقوم النظام السعودي باستخدام المقدسات، التي هي ملك كل المسلمين في معركته ضد قطر، والإلحاح على الأمر، ليس في الصالح السعودي، لأنه يعيدنا إلى تذكر دعوة الأخ العقيد، فمن الأفضل لهم أن يركزوا في قناة «الجزيرة» فأمرها أهون من التوظيف السياسي لمسألة المقدسات.
رحم الله الأخ العقيد، فكل ما حولنا يذكرنا به.
أرض – جو
حتى «شيرين»، تملك حساً وطنياً جباراً، فبعد أن هاجمت «عمرو دياب»، في محاولة منها للتذكير بأنها على قيد الحياة، انتقلت لتثبت لعمرو أديب وطنيتها فقالت إنها رفضت دعوات لحفلات في قطر. «شيرين» حالة نفسية!
بعد مسلسل «عصفور النار»، تعرض قناة «ماسبيرو زمان» مسلسل «الراية البيضاء»، في الأول تكررت عبارة «الأرض هي العرض»، والثاني تدور قصته حول رفض السفير مفيد أبو الغار كل الإغراءات لبيع فيلته التاريخية لفضة المعداوي التي تمثل أثرياء الانفتاح في مرحلة السبعينات بكل ما عرف عنهم من جهل. ولأن البيع والتفريط الآن صار شعار عبد الفتاح السيسي ومن «تيران وصنافير» إلى «جزيرة الوراق» فما نخشاه أن يعتبر السيسي أنها رسائل موجهة ضده، فيغلق «ماسبيرو زمان»!