نقلت وكالة الأنباء الجزائرية، عن بيان لرئاسة الجمهورية، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قرر الاستغناء عن خدمات الوزير الأول عبد المجيد تبون، وعيّن مكانه يوم الثلاثاء 15 غشت الجاري أحمد أويحيى وزيرا أول.
وبالرغم من أن قرار الإقالة جاء بشكل مفاجئ بحكم أن الوزير الأول المقال لم يمض في منصبه سوى ثلاثة شهور، فإنه كان منتظرا بالنظر إلى عدة مؤشرات، خاصة أن النظام السياسي الحالي يعيش حالة من الفراغ والتخبط في ظل صعوبة إيجاد شخصية تكون قادرة على قيادة الجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة.
ويمكن إجمال العوامل والأسباب المتعلقة بالتحول الجديد الذي شهدته مؤسسة رئاسة الوزراء في ثلاث خلفيات رئيسية:
الأولى، الوزير الأول المقال ينتمي إلى جبهة التحرير، تقلد عدة مناصب حكومية، بحيث كانت آخر حقيبة تولاها تبون قبل أن يصبح رئيسا للحكومة هي وزارة الإسكان، وقد خلف شهر ماي الماضي عبد القادر سلال في منصب وزير أول بحسب مجموعة من التقارير، بسبب عجز سلال عن إقناع التحالف الإسلامي المعارض الذي تمثله كل من حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير، للمشاركة في الحكومة.
كما أن ثقة بوتفليقة في هذا الرجل وخلفية تعيينه فرضتها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي تعيشها البلاد، خاصة أن تبون يتوفر على تكوين اقتصادي ومالي جعله يحقق بعض الإنجازات لا سيما في مجال الإسكان.
غير أن الخلفية التي كانت سببا في تعيينه ربما هي نفسها التي عجلت برحيله عن رئاسة الوزراء، بعدما تعرض الأسبوع الماضي لحملة شرسة عبر وسائل الاعلام شنتها أطراف قريبة من رجال الأعمال في الجزائر، حيث عبّرت عدة جهات قريبة من بوتفليقة عن انزعاجها من أداء الحكومة وعلاقتها المتوترة برجال الأعمال الذين هم بمثابة غطاء أو ذراع المؤسسة العسكرية في بسط هيمنتها على الاقتصاد الجزائري.
الثانية، يعتبر تعيين أحمد أويحيى خلفا لتبون في منصب وزير أول كتمهيد لخلافة بوتفليقة في منصب رئيس الجمهورية، بحيث جرى في الآونة الأخيرة تداول بعض الأسماء المرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة؛ غير أنها لا تتوفر على المقومات التي قد تجعلها تحظى بقبول المؤسسة العسكرية وباقي المكونات والحساسيات السياسية الأخرى، وهو ما دفع ببعض مراكز القوى داخل الجزائر إلى دعم ترشح بوتفليقة لولاية أخرى، بالرغم من مشاكله الصحية.
ومن ثمّ، فإن تعيين هذه الشخصية في هذا التوقيت يؤشر على أن المؤسسة العسكرية في الجزائر تستبق الزمن لإعادة ترتيب البيت الداخلي بالشكل الذي يسمح بانتقال السلطة في ظروف متحكم فيها بالشكل المطلوب. والأمر الذي يقوي فرضية خلافة أحمد أويحيى لبوتفليقة هو مسار هذا الرجل الذي يعدّ من الحرس القديم، إذ سبق أن شغل منصب وزير أول ومدير ديوان رئاسة الجمهورية وغيرها من المناصب الحساسة في النظام السياسي الجزائري.
ثالثا، إقالة الوزير الأول في هذه الظرفية هو مؤشر على انتصار التيار العسكري المتشدد والمنغلق على آخر مدني منفتح داخل قصر المرادية، بحيث كان تبون يحظى بدعم قوي من لدن الرئيس بوتفليقة وبعض الأوساط السياسية كالتيار المعارض الإسلامي، على اعتبار أن هذه الشخصية ذات نزعة اقتصادية وبراغماتية وتميل أكثر إلى التوافق والانفتاح على مختلف الحساسيات، وتسعى كذلك إلى تغيير منظومة وقواعد التدبير والتسيير خاصة في المجال الاقتصادي والمالي الذي يعرف هيمنة شبه مطلقة للمؤسسة العسكرية.
هذا التوجه الجديد، الذي حاول بوتفليقة ترسيخه في النظام السياسي الجزائرية وهو في مراحل حكمه الأخيرة من خلال تعيين تبون، لم يكن يحظى بدعم ورضا المؤسسة العسكرية التي تعتبر نفسها هي المؤتمنة على حماية بنية نظام الحكم بالجزائر وعقيدته السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى ارتباط هذه المنظومة بمصالحها المالية والاقتصادية بشكل مباشر.
لذلك، فإن التعيين الجديد يعكس، في نهاية الأمر، أن النظام السياسي الجزائري لا يزال عاجزا وغير قادر على الانفتاح على قواعد ومبادئ العمل الديمقراطي، حيث يتم الاحتكام فيه إلى صناديق الاقتراع واحترام إرادة واختيار الشعب، وما يقتضي ذلك من احترام لأهم القواعد وهي "شرعية الاختيار" النابعة من رحم الشعب بدل الاعتماد كليا على "شرعية العسكر"، هذه الشرعية التي حكمت البلاد بقبضة من حديد منذ الاستقلال إلى اليوم وأدخلت معها الجزائر في متاهات وحروب بالداخل والخارج وعطلت مسار التنمية بشكل يستعصي عن الفهم والاستيعاب.
محمد الزهراوي**أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاضي عياض
نقلا عن: هسبريس