من جديد وبعد غياب لخمسة اعوام تعود دمشق لتحتفل بعودة “معرضها الدولي “معرض دولي يقام في دمشق سنويا منذ عام 1954 م وهو من أقدم وأعرق المعارض الدولية في الوطن العربي والاقليم وتشارك بالعادة في دوراته عشرات الدول من مختلف قارات العالم وآلاف الشركات السورية والعالمية ،ولا يقتصر نشاط المعرض على الأجنحة الدولية للدول المشاركة، وللشركات والأجنحة الصناعية والتجارية ومراكز الأعمال والنشاطات الاقتصادية بل تقام فعاليات فنية وثقافية ترافق المعرض كل عام مثل المهرجان المسرحي الذي تشارك فيه فرق مسرحية من مختلف الدول وكذلك المهرجان والحفلات الفنية الذي شارك ويشارك فيها سنويا نخبة من الفنانيين من سورية والدول العربية ودول العالم “.
واليوم ومع عودة فعاليات هذا المعرض ،ومع مضي ستة أعوام من عمر الحرب على سورية ، يتحتم علينا العودة بالذاكرة لاعوام مضت ،فمنذ مايقارب ستة أعوام وأكثر ، وجدت سورية نفسها في خضم حرب عالمية في أشرس صورها ، حرب معقدة ومركبة للغاية أسقطت فيها كلّ المعايير الإنسانية ، عشرات الآلاف من الإرهابيين العابرين للقارات ، وملايين الأطنان من الأسلحة التي دمروا بها مدن وقرى سورية بأكملها ، فقتلوا أهلها وضربوا مقومات حياة المواطن السوري ، وحاربوه حتى في لقمة عيشه اليومية ، حرب قوامها الكذب والنفاق والمصالح (الصهيو- أميركية) ، وليس لها أي علاقة بكلّ الشعارات المخادعة التي تتستر بها ، ففي سورية تمّ تجهيز تفاصيل المؤامرة ، على مراحل وحلقات ، وبمشاركة دول عربية وإقليمية ، ورغم كلّ ذلك ، أثبتت سورية المستقلة بشعبها وبجيشها وبدولتها الوطنية أنها قادرة على الصمود ، فصمدت رغم كلّ التحديات الداخلية والخارجية ، وها هي اليوم تقف شامخة على أهبة الانتصار.
وهنا يجب تأكيد ، إنّ المعركة في سورية لم تكن يوماً معركة مع مجموعات إرهابية عابرة للقارات ، بقدر ما كانت ولا تزال معركة مع نظام عالمي جديد يرسم للمنطقة ، وينسج خيوط مؤامرته في سورية ليعلن عن قيامه بقيادة قوى الإستكبار العالمية والماسونية اليهودية الصهيونية ، بنسيجها (اليهودي ـ المسيحي المتطرف) ، “المسيحية المتصهينة ” ،وهذه المؤامرة تعكس حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكلّ ما يجري في سورية ، وهي الأهداف المرسومة والتي تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية ، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة إلى أقصى الحدود.
واليوم ،عندما نعود بالذاكرة إلى سنوات عجاف مضت ، نلاحظ أنّ الهجمة الشرسة والحرب الشعواء على سورية ، تلك كانت تستهدف في شكل أساسي ، “العقيدة البنائية والفكر الاستراتيجي للجيش العربي السوري وثوابت الدولة وأركانها الأخرى ، من مبادئ وطنية وقومية جامعة وشعب مقاوم زرع في فكره ووجدانه الحسّ الوطني والقومي ، والأهم هو نهج السلطة السياسية التي زرعت هذه الأفكار وأصبحت قاعده لبناء سورية القوية ، سورية عنوان المقاومة والقلب العروبي النابض ، ومن هنا أدركت القوى التآمرية ، أنها من دون تدمير وتمزيق سورية واستنزافها ، لن تصل إلى مبتغاها وهدفها الأعظم المأمول بتدمير فكرة المقاومة ، وتنصيب “إسرائيل” سيداً للمنطقة العربية والإقليم ككلّ ، وكلّ هذا سيتم ، حسب مخططها ، من خلال نشر آلاف الجماعات الإرهابية المسلحة على إمتداد الأراضي السورية .
وقد كشفت تقارير شبه رسمية ، وتقارير مراكز دراسات عالمية أنّ عدد الدول التي تصدر المرتزقة إلى سورية تجاوز إثنين وتسعين دولة وأنّ هناك غرف عمليات منظمة ضمن بعض المناطق المحاذية لسورية ، لتدريب وتسليح هؤلاء المرتزقة ثم توريدهم وتسهيل عبورهم من أغلب المنافذ الحدودية ، وخصوصاً الحدود التركية ، والتي تحدثت هذه الدراسات عنها بإسهاب ، شارحة كيف سمحت تركيا بعبور عشرات الآلاف من المرتزقة ، لذلك من الطبيعي أن نجد اليوم كمّاً هائلاً من الإرهابيين المرتزقة قد دخل إلى سورية ، بهدف ضرب المنظومة السورية المعادية للمشروع (الصهيو- أميركي) ، وضرب الفكر العقائدي المقاوم لهذه المشاريع ، وخصوصاً المنظومة العقائدية للجيش العربي السوري واستنزاف قدراته اللوجيستية والبشرية ، كهدف تتبعه أهداف أخرى في المنظومة الإستراتيجية للمؤامرة الكبرى على سورية ، لأنّ تفكيك الدولة يستلزم تفكيك الجيش ومن ثمّ المجتمع ومن ثمّ الجغرافيا ، وكان هذا الرهان هو الهدف الأساس من عسكرة الداخل السوري.
إلا أنّ الجيش العربي لسوري صمد وكسر بصموده كلّ الرهانات الشرقية والغربية الإقليمية والعربية ، فالجيش العربي السوري حقق ومازال إنجازات كبيرة وهائلة في الميدان أذهلت العالم وغيرت سياسات ورسمت معادلات جديدة ، لا يستطيع أحد القفز فوقها ، والأهم من ذلك كله هو تلاحم الشعب والجيش والقياده السياسية في معركة ضارية قادتها ومولتها ورعتها تسعون دولة في العالم ، لكنّ إرادة الشعب العربي السوري المتمسّك بأرضه والمؤمن بقضيته والمتفهم لحقيقة وطبيعة المؤامرة ، أبعاداً وخلفيات ، أفشل خطط الأعداء وأسقط أهدافهم بالتضحيات الجسام .
ختاماً ، يمكن القول إنه بعد مرور هذه السنوات الست المريرة على الدولة السورية وما جلبته إليها من جراح عميقة ودروس تاريخية مريرة ، إلا أنّ هذه الدولة بدأت تتعافى اليوم من هذه الجراح ، لتبدأ ، من جديد ، مرحلة النهوض الأقوى وسيبنى على نهوضها هذا ، الكثير من المتغيرات التي لن يكون أولها ولا آخرها سقوط العديد من الأنظمة الوظيفية الطارئة على هذه المنطقة.
هشام الهبيشان*