الظلم وتعديل الدستور وأشياء أخرى.. | صحيفة السفير

الظلم وتعديل الدستور وأشياء أخرى..

ثلاثاء, 22/08/2017 - 13:58

يقول الدكتور علي شريعتي: «إننا نطيح الحاكم ونبقي من صنعوا ديكتاتوريته لهذا لا تنجح أغلب الثورات، لأننا نغير الظالم ولا نغير الظلم»، كما يقول إنه «لا فائدة من ثورات تنقل الشعوب من الظلم إلى الظلام».
ولكن الواقع يشهد حالات تعمق الظلم والظلام، لأن عدم تحقق أهداف الثورة تغير الظالم ودرجة الظلم، وتبدأ مرحلة جديدة من الظلم والظلام، تتداخل فيها درجات الظلم السابقة مع محاولات الحفاظ على مكاسب ما قبل الثورة للبعض، والعمل على منع حدوث ثورة أخرى عبر تعميق الظلم ودرجات الظلام، فيزيد كره الثورة والتغيير، لأنه يأتي بالأسوأ، ومع الخوف من الأسوأ تتعمق حالة الظلام ومبررات الظلم، سواء باسم الإرهاب أو أهل الشر أو الممانعة أو غيرها من المقولات التي لا تسترد حقوقا ولا تأتي إلا على حساب الشعوب.
حديث الظلم يطرحه تأكيد المتحدث باسم وزارة التموين من أن «الدعم في مصر فيه مساواة وهذا ظلم». تتصور أن حديث المساواة والظلم يفترض أن يعبر عن نظام حكم يهتم حقا بحالة المواطن والمساواة، أو العدل في الحكم، وأن ينعكس على الحكم في قطاعات أخرى. حديث يقف في خلفيته تصعيد لمطالب تعديل الدستور من أجل تعميق سلطات الحاكم وإطالة مدة الحكم وتقليص صلاحيات البرلمان، على عكس حديث العدل الذي يفترض ان يعكس مصالح الوطن والمواطن، ولكنه يجد من يقف فيه ليدافع عن تحجيم صلاحيات البرلمان من أجل تعظيم صلاحيات الحاكم.
حديث الظلم في الدعم تصاحبه تبريرات متنوعة للحصول على ما لدى المواطن وتبرير انسحاب الدولة من الأدوار الرئيسية المفترضة، خاصة في ظل الأوضاع المعيشية والضغوط القائمة، والحديث المتكرر عن تلك الجنيهات القليلة التي يطالب بها الرئيس في كل فرصة، وكيف يتم تبرير خفض الدعم باسم الصحة وأضرار تناول الخبز في وقت يتم فيه التجاوز عن حقيقة غياب الخدمات الصحية الأساسية وارتفاع أسعار الأدوية، والتجاوز عن ضغوط الحياة وارتفاع الأسعار التي تجعل الخبز مصدرا أساسيا لغذاء البعض.
حديث الظلم في الدعم يصاحبه حديث عن قدرة المواطن على الحياة بجنيهات قليلة، وعن حظ الفقراء لأن اللحوم مضرة بالصحة، وكيف أن مستويات الحياة أفضل بكثير بالنظر لزيادة عدد من يرتدي الأحذية وغيرها من الأخبار والتحليلات، التي تشغل المساحات خلال اليوم وتؤكد على حظ الفقراء وقدرتهم على تمويل الدولة، رغم الفشل في المشاريع التي تقوم بها، أو عدم الرشادة في تخصيص الموارد من أجل المشاريع التي تتعامل معها بوصفها أولوية في الوقت المحدد. حديث الظلم في الدعم يتجاوز عن ظلم الوطن والمواطن بالمزيد من التنازل عن الأراضي، سواء بقرارات رئاسية مباشرة أو بقرارات مغلفة بموافقات أخرى، تعيد للذاكرة التعليق الساخر عن مجلس الشعب في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك من أنه مجلس موافقون، وكيف ان الموافقة يمكن أن تعلن من دون انتظار تصويت حقيقي.
يتم التجاوز عن جزيرتي تيران وصنافير، وعن تمليك أراض في سيناء لحاكم خليجي، وتمليك أراض في الشرقية لحاكم آخر، وعن أخبار بيع جزيرة الوراق وغيرها من الأحداث والأخبار التي تثير الكثير من التساؤلات حول ما يحدث، وأسباب إصدار قرارات بمعاملة هؤلاء الحكام العرب مثل المصريين في أمور كانت تعامل بوصفها أمنا قوميا، ولا يتم المساس بها، ليس فقط لما تمثله من كرامة وطنية وسيادة، ولكن لما يمكن أن تفتحه من أبواب الجحيم على طريقة صندوق الشرور الذي لا تملك أن تعرف ما يمكن أن يصل إليه الوضع بمجرد فتحه، وما الذي يمكن أن يتم التنازل عنه في المستقبل، أو بيعه أو تمليكه لأجانب، وكيف يمكن استخدام تلك الأراضي. ويضاف لكل هذا بيع الجنسية وغيرها من الأمور التي تحاسب المواطن على لقمة العيش ماديا، وتجفف ما يملك من أموال قليلة بصور مباشرة وغير مباشرة، ثم تتنازل وتبيع بسهولة أشياء لا يفترض أن يملك حاكم أو نظام الحق فى التصرف فيها بقرارات تصدر من تلك السلطة الحاكمة ومن يؤيدها.
يعود حديث موافقون للواجهة، أمام برلمان لا يجد فيه البعض أي حرج في المطالبة بتقليص سلطاته، ورغم أن هذا وضع لا يتسق مع ما يفترض أن يكون عليه الحال، وفقا للدستور وللإصلاح المطلوب والمفترض بعد ثورة ودماء ومعاناة، إلا أنه يتسق مع تصريحات بعض النواب قبل الانتخابات، وكيف كانت المطالب توجه للحاكم بوصفه الأب، وكيف طالب البعض بالدعم المالي والمعنوي للحصول على الاحترام والقبول الشعبي، وكيف أن من دعم التوحد في تحالفات مؤيدة هدد بوضع قوائم عار لمن يرفض الدخول في تحالفات تؤيد الحاكم. ولا تعرف كيف يمكن أن يتم تعريف هذا الواقع بأنه عدل، وإن افترضنا أن الناخب قد اختار هؤلاء النواب، ألا يفترض أن النواب مدافعون عن مصلحة الشعب في صورة مصالح الدوائر التي تختارهم، وعن مصلحة الوطن بوصفه الجامع لهذا الشعب الذي يفترض أن يتم الدفاع عن مصالحه.
نعود لجدل البيضة والفرخة وأيهما يسبق الآخر، من أجل تمرير الأشياء وأثارة الجدل في صورة أن الرئيس يريد ويعمل ومن حوله يضر ولا يعمل، وان حديث الانتقاد الذي يبدأ به البعض ينتهي لوضع الأمر أمام الرئيس بوصفه كبير العائلة ورب الأسرة والوحيد الذي يعرف المرض والعلاج. 
وبهذا نصل لوجود حالة من الانقسام بين وجه ديمقراطي يتم تصديره في الواجهة عند الضرورة، ووجه سلطوي يتم تعميقه في الفعل، حالة يعمل فيها الوجه الديمقراطي على دعم الوجه السلطوي وتعميقه وليس العكس. فالبرلمان يريد لنا ان نتصور أنه في حالة من الإيثار يتجاوز عن «حقه»من أجل دعم الرئيس بوصفه رئيس الضرورة والوحيد القادر على حكم مصر واستمرار الانجازات. ويتجاوز هذا الحديث انه من الظلم أن تتنازل عما لا تملك، وان السلطات التي يفترض أن يتمتع بها البرلمان من أجل ما يفترض أن يكون ضبط السلطة وتحقيق التوازن المفترض بين السلطات ليس ملكية للنواب ولكنه ملكية للوطن وحق للشعب، وأن اللحظة لا تملك الشروط اللازمة لضمان فرض المزيد من المحاسبة والرقابة التي يفترض ان توازن المزيد من السلطات والأدوار. يتجاوز نائب اللحظة أنه لا يفترض ان يتنازل عن حق المواطن في الرقابة وفي الانتخاب وفي تغيير الحاكم عبر القنوات الشرعية، وفي ضبط العلاقة بين السلطات عبر تعميق دور الرقابة والمساءلة وليس تعميق دور الحاكم الفرد.
يعيد البعض للواجهة حديث الرئيس عن رفضه لتعديل الدستور في فترة سابقة، وتتكرر تصريحات متضاربة لرئيس البرلمان بين رفض الحديث عن تعديل الدستور من أجل تغيير مدة الحكم وتصريحات أخرى ترحب بالتعديل ومطالبة نوابا بالتعديل باعتبار أن اللحظة تغيرت، وأن الدستور غير عادل وأن الحل هو تشكيل حملة توقيعات من أجل التعديل الذي يمكن أن يكون بوابة شرور أخرى.
تتصور أن أعداد السجون والمساجين وتقارير أوضاع السجون في مصر والتعذيب مع حالات الاختفاء القسري، بالإضافة إلى تقييد الحريات وحجب المواقع الأخبارية، وتنميط الأشياء تحت شعار واحد معلب، تفرض درجة من الرشادة التي تجعل حديث الظلم والعدل المدخل الأخير الذي يفترض أن يلجأ إليه النظام. وتتصور أن عليه ان يتمسك بحديث الأرقام التي يكررها عن الدخل والانفاق، وكأنه رجل أعمال يحكم على العمال بالتقشف وينفق بإسراف باسم الصورة، ويستهدف قص شريط ووضع يافطة أكبر كل مرة بدلا من الحديث عن الظلم والمساواة. تتصور أن نظاما لا تتواجد فيه مساواة في التقاضي ولا في ظروف الحبس ولا في التعاطى مع المتهمين يفترض أن يبتعد عن حديث الظلم والعدل. تتصور أن واقعا لم يقبل لحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي بأن يستمر بافتراض إمكانية أن يتنازل ويتجاوز، أو لتحميله مسؤولية حادث أو غيره، أو جاء بعد ثورة ضد مبارك وحكمه يفترض أن يبتعد عن حديث العدل والظلم، في واقع يشهد تجسدا للكثير من المخاوف على أرض الواقع فعلا. تتصور أشياء كثيرة على هامش حديث العدل والظلم، وتعديل الدستور من أجل تعظيم صلاحيات الحاكم وترى كيف يتحول المشهد إلى تناقضات كاشفة عن الوجوه الأخرى للواقع، وعن أساليب دعم الديكتاتورية وتغييب تفاصيل الصورة من أجل تعظيم الفرد، مادام الوطن والشعب يدفع والبعض يستفيد في الدوائر الضيقة للسلطة، وتدرك أن الأخطاء الكاشفة عن عيوب السلطة مكسب في طريق الديمقراطية وإدراك أهمية الحرية والمحاسبة عبر علاقات واضحة بين السلطات تمكن من رقابة أكبر وليس العكس.

 

 عبير ياسين/ كاتبة مصرية