هبّت رياح الديموقراطية التعدديّة وتبادل السلطة سلميّا على القارة السوداء بعد انهيار الإتحاد السوفيتي في بداية التسعينات من القرن العشرين، فتهاوى عهد الحزب التسلّطي الواحد ، وتراجعت الهيمنة القبليّة على السياسة إلى حدّ كبير، وبدأ الأفارقة يشقّون طريقهم نحو إقامة دول مؤسّسات ديموقراطية . كان 6 رؤساء فقط من بين أل 150 رئيسا الذين حكموا دول القارة منذ استقلالها حتى ذلك التاريخ هم من غادروا السلطة طوعا وبدون خلافات أو سفك دماء. أما ال 144 الباقون فكان البعض منهم ما زالو في الحكم، أو أطيح بهم في انقلابات عسكريّة، أو قتلوا، أو ماتوا وهم في السلطة كما يحدث لمعظم حكامنا في الوطن العربي !
ذكر تقرير شهر فبراير 2017 الذي اصدرته مؤسسة ” فريدم هاوس Freedom House ” المعنيّة بتقييم انجازات الدول المتعلقة بتطبيق الديموقراطية أن المناخ السياسي الإفريقي يتحسّن باستمرار، وإن التغيير الديموقراطي السلمي حقّق نجاحا ملاحظا في معظم دول القارة خلال ال 25 سنة الماضية. ونتيجة لذلك فإن من بين دولها أل 54 ، هناك 10 دول تمكّنت من تحقيق أنطمة ديموقراطية كاملة وتتمتّع شعوبها بحريّة تامّة، و 11 دولة تمارس ديموقراطية جزئية ، و23 دولة ما زالت دكتاتورية مما يعني أن أكثر من نصف دول القارة أقامت ديموقراطيات كاملة أو جزئية وإن شعوبها تنعم بنوع من الحريّة لم تعرفه في تاريخها .
كينيا واحدة من الدول الإفريقية التي يتمتع شعبها بديموقراطية كاملة . لقد أجريت الإنتخابات العامة فيها في 8- 8- 2017 . في ذلك التاريخ أدلى الكينيون بأصواتهم لإنتخاب رئيسهم ونائبه، وأعضاء البرلمان بغرفتيه : مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، وأعضاء الحكومة المحلية . لقد إجريت الإنتخابات وشهدت معظم الجهات التي راقبتها بنجاحها .
تنافس في الإنتخابات الرئاسية 8 مرشحين يمثلون أحزابا وتيارات سياسية مختلفة، وكان من أقوى المتنافسين على المنصب الذي مدته خمس سنوات أهورو كينياتا الرئيس الحالي الذي فاز في الإنتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2013 ، وهو إبن جومو كينياتا أوّل رئيس لكينيا بعد استقلالها عن بريطانيا في عام 1963، ومنافسه ريلا أودينجا إبن باراموجي أودينجا الذي كان أول نائب للرئس بعد الإستقلال .أعلنت النتائج يوم 11- 8- 2017 وحصل أهورو كينياتا على 54% من ألأصوات وفاز بولاية رئاسية ثانية . لكن منافسه رايلا أودينجا رفض قبول النتائج المعلنة واحتج عليها في المحكمة العليا التي أقرّت بوجود تجاوزات في نتائج الفرز الإلكتروني، وأمرت بإعادتها في غضون 60 يوما .
لقد كان قرار المحكمة بإعادة الإنتخابات ضربة لكينياتا الذي أكّد اختلافه مع الحكم، لكنّه قبله وأعلن احترامه للقضاء. القرار كان في غاية الأهميّة ليس لكينيا وقارة إفريقيا وشعوبها فقط ، وإنما لجميع الدول والشعوب التي تعمل على تأسيس ديموقراطيات دستورية فاعلة لأنه أثبت أن القضاء في كينيا قادرعلى البت في القضايا الدستورية الهامة بمهنية ونزاهة وإعطاء المواطنين حقوقهم دون اللجوء الى النزاع وسفك الدماء، وأكّد أن النتائج التي يتمّ إعلانها رسميّا ويشكّ المرشحون والناخبون في صحتها يمكن الإعتراض عليها وتغييرها بالطرق القانونية والسلمية .
قرار المحكمة الكينيّة العليا بإعادة الإنتخابات ستكون له تاثيرات إيجابية في ترسيخ وتعزيز مفهوم الحرية والثقافة الديموقراطية في كينيا وغيرها من الدول، وستستفيد منه دول عربية إفريقية كتونس والجزائر وموريتانيا وغيرها وتنقل لنا نحن عرب الشرق عدوى رفض الإنتخابات المزوّرة ، وتساعدنا في الخلاص من الحكّام الجهلة ودولهم الإستبدادية التي أذاقتنا الأمرّين، ودمّرت حاضرنا ومستقبلبلنا .
لقد سئل أحد ” سلاطيننا ” في لقاء تلفزيوني مباشر شاهدته شخصيا هذا السؤال ” ما رأي سموك بالديموقراطية ؟ ” فأجاب ” إذا الديموغراطيه ماتتعارظ مع ديننا وبغت تجي حياها الله، وإذا تعارظت مع ديننا نكشها ( نطردها ) برّه .” كان ” ولي الأمر” شبه أمي . الحق ليس عليه، وإنما على الشعوب التي تقبله هو وأمثاله كحكّام لها !
د. كاظم ناصر
كاتب فلسطيني