سجل الأسبوع المنصرم أحداثاً متلاحقة ذات ارتباط مباشر بالملفات الساخنة في المنطقة؛ ولم يكن مصادفة أن الرياض كانت مركزاً لأهم هذه الأحداث؛ فمنها أعلن رئيس الحكومة اللبنانية استقالته؛ ولها أدى زيارة مهمة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي؛ وبها انعقد مؤتمر وزراء خارجية ورؤساء أركان دول التحالف العربي. على قطر أن تراجع نفسها لتنظر مليّا في مجريات الأحداث من حولها وتلتقط رسائل الرياض، وتفك شفرتها لتدرك كيف تسير الأمور من حولها، كما عليها أن تحلل تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما أعلن أن الأزمة مع قطر صغيرة جدا جدا جدا . قد تبدو هذه الأحداث منفصلة بنظرة عابرة؛ لكن الواقع أن عاملاً مشتركاً واحداً يمثل خيطاً ناظماً لها... ليس هذا العامل سوى التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، وكيفية الحد من هذا النفوذ ودراسة سبل إرجاع الأمور إلى نصابها. زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للمملكة العربية السعودية جاءت بعد نجاح القوات العراقية في استعادة السيطرة على الموصل؛ بمساعدة التحالف الدولي وبعد إفشال مخطط مسعود البرزاني في فصل إقليم كردستان عن العراق. وإذا كان معلوماً أن تحرير الموصل والوقوف دون انفصال إقليم كردستان، والسيطرة على المناطق المتنازع عليها تم بمعية الحليف الإيراني وذراعه العسكري في العراق الحشد الشعبي؛ ففي أي إطار تأتي زيارة العبادي للمملكة العربية السعودية؟. من المعروف أن المملكة العربية السعودية مدت يدها للعراق أكثر من مرة، وحاولت مرات عدة إعادة العراق لمحيطه وعمقه العربي؛ لكن اليد الإيرانية كانت دائماً تحول دون ذلك،كما أن حلف إيران السياسي في العراق لم يصل لسدة الحكم لعدة مرات إلا بمساعدة الأكراد، فالتحالف الشيعي الكردي هو الذي أوصل حلفاء إيران للحكم. كان الرفض الإيراني المنطلق من اعتبارات داخلية وإقليمية ودولية حاسما في إفشال انفصال إقليم كردستان؛ مما قوض الشراكة الاستراتيجية بين الحليفين ،فبعد النفوذ الذي حصلت عليه إيران من خلال الحشد الشعبي، يطمح حليف إيران الرئيسي في العراق نوري المالكي أن يعود إلى كرسي رئاسة الوزراء. أمام هذا المعطى الجديد قرر حيدر العبادي التحرك لسد الباب أمام خصمه السياسي نوري المالكي بوضع يده في يد المملكة العربية السعودية، بوصفها الراعي الأساسي لسُنّة العراق و الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة. يسعى العبادي إلى أن يحد من التدخل الإيراني في العراق، من خلال إعادة العراق لمحيطه العربي وبوابته الرئيسية المملكة العربية السعودية؛ والظروف الإقليمية والدولية مساعدة على تجسيد هذا التوجه. أما اجتماع وزراء خارجية ورؤساء أركان دول التحالف العربي فجاءت رسائله واضحة ومباشرة لإيران، حيث اتهمها مباشرة بالعمل على عرقلة الحل السياسي في اليمن؛ وأدان بأشد العبارات الدور السلبي الذي تلعبه في اليمن، من خلال دعمها لمليشيات الحوثي ومدها بالصواريخ الباليستية والألغام في انتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن ٢٢١٦؛ كما حمّل المجتمعون النظام الإيراني مسؤولية العبث بأمن المنطقة . ختام هذه الأحداث كان استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وإعلانها من العاصمة السعودية الرياض، حيث كان واضحاً وصريحاً في أسباب الاستقالة؛ مؤكداً أن إيران لا تحل في مكان إلا وزرعت فيه الفتن والدمار والخراب، وتشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن؛ ووصف الحريري "حزب الله" أحد أبرز شركائه في الحكومة، بـ"الذراع الإيرانية؛ ليس في لبنان فحسب بل في البلدان العربية الأخرى"؛ مضيفا أنه "خلال العقود الماضية استطاع حزب الله فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنه سلاح مقاومة، وهو الموجَه إلى صدور إخواننا السوريين واليمنيين فضلا عن اللبنانيين". هذه الأحداث جميعها وغيرها هي رسائل مبطنة للجارة قطر، وهي أن زمن الاعتماد على نظام الولي الفقيه في إيران قد ولى إلى غير رجعة، وأن منطق التعامل مع إيران كحارس للمنطقة بات وهماً لا وجود له حتى عند حلفاء إيران أنفسهم، كما أن دول المنطقة والمجتمع الدولي من خلفهم لم تعد تقبل ذلك . على قطر أن تراجع نفسها لتنظر مليّا في مجريات الأحداث من حولها، وتلتقط رسائل الرياض وتفك شفرتها لتدرك كيف تسير الأمور من حولها، كما عليها أن تحلل تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما أعلن أن الأزمة مع قطر صغيرة جدا جدا جدا . أضاعت قطر الكثير من الفرص لإنقاذ نفسها من الهاوية، وكان أبرز تلك الفرص تحركات أمير الكويت صاحب السمو الشيخ جابر الصباح؛ كما أضاعت إشارات كثيرة صدرت من الدول الداعية لمكافحة الإرهاب تؤكد لقطر أن الحل بيد خادم الحرمين الشريفين، سلمان الحزم؛ لكن الدوحة فضّلت التعامل الإعلامي مع الأزمة ومحاولة تشويه الآخرين، وسياسة صب الزيت على النار معتمدة في ذلك على نظام الولي الفقيه، لكن الأمر لم يعد كما كان؛ فإياك نعني وافهمي يا جارة.