عبر مطالعتي لبعض المواقع قرأت تصاريح صادرة عن زعيم المعارضة السابق أحمد ولد داداه، ومقالا تحليليا لمحمد يحظيه ولد ابريد الليل قام فيه بتشخيص مفصل للواقع والمشهد السياسي في البلد، ورابني ما لاحظت بينهما من تطابق في الإيماءات والتوقعات....
كلا الرجلين يطلق صفارات الإنذار ويوعد بهزات وشيكة ستجرف النظام برأيه وتلقي بالبلد في هاوية المجهول، ذلك القول الرهيب الذي طالما لوح به الكاتب كلما شعر هو وقبيله بقصور في التعاطي معهم، أما ولد داداه فيظهر أنه أكبر ثقة بالنفس فلا يهدد بالفوضى والبلابل ولكن بإقامة سلطة بديلة تخضع أعيان النظام الحالي للمساءلة والمحاسبة كأنما يقول لهم : إنما موعدكم غدا أليس الصبح بقريب؟
وترافق هذه "السنوات الكابوسية" تلميحات بأعين تملؤها الريبة إلى الجيش كما لو كان اللاعب الوحيد في تحديد مستقبل البلد ، فهذا زعيم المعارضة السابق يهيب بدور المؤسسة العسكرية النبيل في حماية الحوزة الترابية من خلال المرابطة على الثغور، ويشتكي من تحويله الى ميليشيات في خدمة النظام، ولا يكتفي بالوقوف عند هذا الحد بل يغوص في التفاصيل والترقيات داخل الجيش، محاولا إثارة النقمة بين صفوف الضباط، ليسير على خطاه الكاتب وبتحفظ أكبر في خطوة استعطاف لا تقل براعة عن أختها فيقول:
- " زد علي ذلك هو أن الرئيس والنظام نفسه هما رمز لمؤسسة عسكرية طالما قدرناها وأعتبرناها بمثابة العمود الفقري للكيان الموريتاني مع يقيننا التام أنه لا يوجد لها بديل ينتظر منه القيام بتلك المهمة الوجودية"
إن مثل هذه التصريحات من زعيم المعارضة لا يعد حدثا لافتا، بل مجرد لقطة من طقوس سياسية دأب عليها الرجل وأصبحت مألوفة لدى الرأي العام، أما أن ترد على لسان الكاتب الكبير فهذا أمر غريب .....
فالحليف المبكر لقائد انقلاب 6 أغسطس 2008 قد افتتح مبررات موقفه الجديد بعرض انجازات جديرة مهما قلل من شأنها أن تكفر عن المآخذ التي عددها ضد النظام ،ثم إن من أعاد النظر فيها سيجدها تتسم بالضبابية والأنانية الحزبية المفرطة .. و حين يتحدث الكاتب عن انعدام نظام(منسجم وفعال) وانعدام أي صلة بينه وبين شعبه أو الإعراض عن النقاش السياسي، يكاد القارئ يرد عليه بأن كل هذه الملاحظات هي أحكام تقويمية تختلف من سياسي لآخر، فمناضل الحزب الحاكم مثلا الذي يضم الأكثرية الساحقة من الشعب الموريتاني لا يقاسمك هذا الرأي ن ومنظمات المجتمع المدني التي تنشط بحرية وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة من فصول الحياة الاجتماعية قد تنكره أيضا، ثم ستستهجنه أغلبية الأحزاب التي أشرفت من خلال حوارات متتالية على رسم سياسة البلد وبنيته المؤسسية الحقيقة.
إن كل هذه التعليلات ما هي إلا أحداث لتجميل الدافع الحقيقي والذي ختم به الكاتب عريضته حينما كتب:(إن النظام مصر على تجاهلنا الدائم والواضح وإبعادنا عن الرأي والحكومة والإدارة والسياسة والاقتصاد). أعتقد أن الصفة التي ورد بها هذا المطعن وإيقاع تعداد أوجه التهميش تدل على أن لب الخلاف يكمن هناك وان المنطق الذي يحكم العلاقة بين الأسرة السياسية للكاتب والنظام هو منطق جماعات الضغط التي تنظر إلى الدولة ككعكة يحق لكل مجموعة اتخاذ اكبر قطعة منها وإلا أخذت تعبر عن ضجرها عازفة على الأوتار الأكثر حساسية وتحريك المشاعر العرقية والفئوية والدينية...
ردا على أصحاب هذا النهج المستهلك نقول نحن المتطفلون على السياسة والأطر التي لا تدين بالولاء لأي فصيل مذهبي أو فئوي أن الدولة دولة الجميع ولا ينبغي ان تخضع لمحاولات الابتزاز والاستدرار من طرف أي شريك سياسي مهما قرب أو نأى وده، وإن عجبنا لا ينقضي من الموقف المعقد من الجيش الوطني عند بعض قادة الرأي السياسي، حيث لا يفترون من مطالبته بالابتعاد عن الشأن السياسي، وكلما لاح في الأفق موعد استحقاقات جديد إذا هم يرمقون بالعيون.. إنهم يخافون الانتخابات ويتهربون منها كأنما يريدون من السياسة أن لا تتجاوز مبارزة عقيمة بالتصريحات والبيانات، فقصتهم مع الجيش تذكرني بالتلميذ وشيخه (يلالي مكرهن بيك يشيخي ومقل أعلي لبن أنعاجك).
لقد آن للجميع أن يدرك ان الديمقراطية في هذا البلد شقت طريقها وأنه لا طريق للسلطة، إلا من خلال صناديق الاقتراع .