لو راجعنا تأريخ العراق المعاصر، لرأيناه قد مرَ بأزمات كبيرة وعصيبة، وخرج منها منتصراً ومتعافياً ولو بعد حين، رغم الثمن الذي دفعهُ ضريبةً لذلك الأنتصار، مثل الأزمات التي عصفت بالعراق وبشكل مستمر ومتتالي، لو مرت ببلد آخر وأمه أخرىٰ، لخرج منها منهزماً والأمة مكسورة، إلا العراق يخرج منها وهو معبأ بكل حيوية ونشاط، وينظر بنظرة أمل للمستقبل.
أزمة عام 1990 وماخلفتها من أحداث ومآسي كبيرة، من حصار لأقتصاد البلد وجوع أبنائه، وتشريد رجاله وضياع أطفاله، جائت بسبب شيطنة الحاكم وجبروته، حتىٰ وصل بهم الزمن لأحداث عام 2003 وسقوط الطاغي المتكبر، وهم يعيشون بهجة خلاصهم من حكمه وأرهاب دولته، تخرج أمريكا لهم لتسرق بلدهم، وتريد أن تمد يد سطوتها على خيراتهم، ولم يهنأوا حتىٰ ثبتوا معالم دولتهم، التي كان الحاكم فيها صوت الجماهير والحاسم قرار الشعب، وماأن تنفسوا الصعداء وأستنشقوا عذب الهواء، حتى يخرج لهم الزرقاوي وقاعدته الملعونه من جهة، بداعي محاربة أمريكا وأخراج المحتل، ومن جهة أخرىٰ سذاجة البعض بداعي حماية أبناء مذهبهم ومقاومة المحتلين، وبين هذا وذاك، كان تفجر الأسواق وهدم المباني وسقوط الازقة ونشر الفوضىٰ وبث الطائفية، الى أن قوية الحكومة وعمَ الآمان وأنتهىٰ الأرهاب، حتى خرج أرهاب من نوعٍ آخر، يريد تثبيت دولة خرافته المزعومة، بسبب غرور الحاكم بالتسلط وتفرده بالقرار، وفي أيام الأنتصار الأخيرة، يظهر علينا زعيم قومي، يريد تقسيم العراق ليوطئ حلم أجداده بدولة كردية.
هذه الأزمات لو مرت ببلد آخر، لم يخرج منها إلا وهو في حالة شتات وضياع منهزما منقسما، تعمه الفوضى، إلا العراق، عراق الحسين وعراق العظماء، فقد خرج منها سالماً متعافياً، والسبب يعود لحنكة ونباهة المرجعية الدينية الرشيدة، ومدىٰ ألتزام الشعب العراقي بتوجيهاتها، فمن الأمام الحكيم ,رض, وتحريمه لمحاربة الكرد، الى الأمام الخوئي ومقاومته للنظام العفلقي بشكل سري وهادئ، ومن بعده باقر الصدر حتى قال "لو كان اصبعي بعثياً لستأصلته"، حتى كان عضده الأيمن شهيد المحراب رغم تغريبه ومقتل أفراد عائلته، يقاتل قتال الأشاوس بكل أصرار وعزيمة، واليوم ونحن نعيش تحت خيمة ورعاية مرجعنا المفدى سيدنا الأمام السيستاني ،دام ظله الوارف، نخرج من أنتصار لآخر، ومن شموخ لآخر.
فالمرجعية الدينية كانت ومازالت المحرك الأساسي للأنتصار، والفيصل الحاسم عندما يشتد النزاع، وولائها للعراق وحده لا لغيره، ولا تريد له التبعية إلا لنفسه، وبما أنه العراق يرفض التبعية والولاء، فأن الازمات التي تتوالى عليه مستمرة ولاتنتهي، لذا لزاماً على العراقيين بمختلف قومياتهم ودياناتهم وتوجهاتهم، يزيدوا من أتباعهم وتمسكهم بالمرجعية الدينية، لأنها صمام الأمان وسر قوة العراق.