في خطاب استمر نحو ستين دقيقة، ناشد أبو مازن قادة الدول العربية والإسلامية التجنّد للكفاح من أجل القدس ردًا على تصريح ترامب.
وبمناسبة استغلال المنصة التي وضعها تحت تصرف الضيف، الرئيس التركي أردوغان، أغدق رئيس السلطة الفلسطينية على سامعيه (معظمهم لا يعرفون العربية على الإطلاق، وشوهد بعضهم في البث الحي والمباشر وهم منشغلون بأجهزتهم الخلوية) تنديدات ضد الولايات المتحدة. وأعلن أنه سيطلب من مجلس الأمن في الأمم المتحدة قرارا يُلغي تصريح ترامب وهدّد بأنه من دون القدس عاصمة فلسطين «لن يكون سلام في المنطقة ولن يكون سلام عالمي».
هل بالفعل؟ لِمَ كان أردوغان مطالبا باستضافة منظمة التعاون الإسلامي في اجتماع طارئ في أعقاب التصريح الرئاسي؟ ليس هذا فقط، لأنه رئيس المنظمة. فأردوغان يقرأ خريطة الشرق الأوسط جيدًا، ويرى أن قادة الدول العربية لا يسارعون إلى الوقوف إلى يمين الفلسطينيين بشكل تلقائي. صحيح أنهم نددوا بالتصريح وأوضحوا أنه خطر، وأنهم لن يتنازلوا عن القدس، ولكن أردوغان، ويخيّل أن أبا مازن أيضا، يعرفان جيدا أن هذه ضريبة لفظية.
ولِمَ؟ لأن استعراضا خاطفا يبين الريح الجديدة التي تهب في غير قليل من الدول العربية. فالشرخ السنّي ـ الشيعي، القائم في المنطقة بشكل تقليدي وتعاظم في عصر الربيع العربي، وإلى جانبه تهديدات الجهاد العالمي بالمس بكل من لا يؤمن بطريقه، غيرا سلّم أولويات الدول الوطنية العربية. فهذه تسعى قبل كل شيء لتحقيق استقرارها السياسي الداخلي وبعد ذلك شق طريقها الكفاحي ضد الأعداء الخارجيين.
ليس مصادفة أن اقترح رئيس الأركان آيزنكوت على السعودية التعاون الاستخباري في المقابلة مع موقع الإنترنت السعودي قبل نحو شهر. وعلى أية حال، فهو يعرف أن له أذنًا صاغية في الرياض. أردوغان وأبو مازن يعرفان أيضا. وإذا لم يكن هذا بكافٍ، فإن وفدا من نحو 30 شخصا من البحرين يزور إسرائيل هذه الأيام ويحمل معه رسالة سلام من الحاكم القائم في العاصمة المنامة.
هذه بالطبع مجرد مؤشرات على التغيير الذي يجد تعبيره في الأشهر الأخيرة في التفكيرات المتجددة عن طبيعة العلاقات مع إسرائيل في عواصم عربية أخرى أيضا. هذا تعبير علني عن المزاج في دوائر في النظام والنخبة في عدد غير قليل من الدول العربية، والذي يسعى إلى تحقيق المصالح الوطنية ولا يرى في حل المشكلة الفلسطينية شرطا ضروريا للتطبيع بالمعنى الدارج في الغرب.
كل من يشرح لِمَ لا تتجند الدول العربية التي تعانق الرئيس الفلسطيني على نحو متواصل، استضافة اجتماع طارئ تطلق فيه خطابات حماسية ضد الصهاينة. فما هو الحل المفضل؟ أردوغان يرتب الأمور. وهكذا فإن رئيس دولة ليست عربية يستضيف الاجتماع ورؤساء الدول العربية (باستثناء الملك عبدالله الأردني، الذي ألقى كلمة قصيرة) اكتفوا بإرسال مستوى متدن نسبيا إلى الاجتماع. كل هذا كي يقولوا من دون أن يصرحوا «فقراء مدينتي أولى».
إضافة إلى ذلك، فإن محاولات إثارة الخواطر على أساس ديني، في الوقت الذي يشدد فيه أبو مازن نفسه على أن هذا صراع على الأرض، ليس فيها ما يكفي كي يمس المصالح المتحققة بقدر غير قليل بفضل العلاقات الهادئة مع القدس أيضا.
محاضر في دائرة الشرق الأوسط في جامعة أريئيل وخبير في الشؤون العربية.
نقلا عن صحيفة: الشرق الاوسط