تفصلنا بضع ساعات فقط عن المؤتمر الثالث لـ ( حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ) ــ ( تواصل ) ذي المرجعية الإسلامية والانتماء الوطني والخيار الديمقراطي مختتما عقدا زمنيا من الممارسة السياسية تحت المظلة القانونية منذ الاعتراف به عام : 2007 بعدما تمخضت عنه تجربة الإصلاحيين الوسطيين إثر أول انتخابات يمكن وصفها بالديمقراطية أو شبهها في تاريخ الدولة وذلك بعد مرحلة انتقالية استمرت لسنتين تحت وصاية الجيش الذي انقلب على الرئيس الأسبق معاوية بن سيد أحمد الطايع قبيل أن تعود حليمة إلى عادتها منغصة على الشعب أحلامه وعلى الساسة تطلعاتهم إلى ديمقراطية حقيقية تضمن تكافؤا الفرص وشرف التنافس ونزاهة الممارسة السياسية .
ولعل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية تواصل والذي استهل صارخا إبان تلك الفترة هو الوارث الشرعي الوحيد الذي حمل الجينات الوراثية لتلك التجربة القصيرة الحرة التي أنجبته والتي مرت كالومضة في ليل شتوي بهيم من تحكم العسكر في مفاصل السلطة ومن تلاعب بالعملية السياسية طبقا لأمزجة المتنفذين من منتعلي الأحذية الخشنة وظلالهم المتفيئة ذات اليمين وذات الشمال من مرتزقة الساسة الذين يتلونون تلون الحرباء بحثا عن الأرائك والبطون والتي لا تزال كالربو تحشرج صدور القواعد الشعبية في معظم الدول العربية والإفريقية .
دخل الحزب الفتي إلى فضاء العمل السياسي خارجا من عنق زجاجة الحظر منتصرا على فيتوا المنع الذي كان يقف سدا منيعا في وجهه على مر العقود السابقة والذي كان آخر طبعة منه تلك التي جاءت على لسان قائد المرحلة الانتقالية العقيد اعلي بن محمد فال رحمه الله فكان الحزب بحكم استثنائيته والتي مثلتها مرجعيته الإسلامية و خلفيته الفكرية وقواعده النخبوية و خطاباته الشعبوية وقدراته التعبوية وحركيته الحيوية ومواقف منتسبه المبدئية ومظاهره التنظيمة مثيرا للاهتمام لافتا للأنظار فنال منذ نعومة أظفاره زخما إعلاميا أكبر من حجمه فكان ذلك الزخم رافدا من روافده جاذبا على الأقل إلى الاهتمام به والمتابعة له والحوار حوله والجدل في شأنه ولعل دور الخصوم له و المتنافسين معه تشهيرا به وتحرشا بسمعته لا يقل أهمية في إشهار أمره واشتهاره من دور الحزب نفسه و مناضليه فرب ضارة نافعة .
ظل الحزب خلال عقده المنصرم يواصل مساره ومشواره ابتداء من مرحلته الانتقالية والتي توجت بمؤتمر التأسيس الأول بعد ثمانية أشهر من الانتساب مرورا بمؤتمره الثاني والذي كان أبرز تحدياته جدلية : المثالية النظرية في التناوب الديمقراطي والواقعية السياسية المغلبة جانب أمن وسلامة المكتسبات , وكمثال على حالة الاستقطاب التي طغت على هذه المرحلة كانت كلمة محمد غلام الشهيرة على منصة المؤتمر حيث قال آن لجميل منصور أن يترجل طواعية عن رئاسة الحزب ليتوج بذلك مسيرته المضيئة في عمل الحزب حيث ميادين كثيرة تنتظره فيما جاءت بالمقابل نصيحة الددو التي أومأت بتلويح يشبه التصريح بأن تمسكوا بالقائد الناجح جميل طالما لكم حق انتخابه مجددا طبقا للوائح الحزب ونصوصه , وصولا إلى مؤتمره الثالث حيث استنفد القائد المظفر و المؤسس تاريخ الصلاحية لرئاسة الحزب وحيث المراقبون : الأنصار والخصوم والمنافسون جميعا يسيطر عليهم الفضول في معرفة من يأتي بعد وما ذا سيكون بعد ـ ولله الأمر من قبل ومن بعد ـ ولعل المفارقة المسلية التي تبعث على التندر هنا أن مختلف المراقبين يجمعون على الإعجاب بكفاءة وحنكة الرئيس المنتهية ولايته في الوقت الذي ينقسم الجميع فسطاطين حول سلبية الرجل و إيجابيته على الحزب ففي الوقت الذي يشفق البعض على الحزب إذا غادر الرئيس منصبه باعتباره في نظر هؤلاء يمثل حجر الزاوية في الحزب يري البعض أن الرئيس هو أكبر معوق للحزب عن اكتساح الجماهير بحكم أبعاد تتصل ببعض أوضاع الرئيس الاجتماعية أو تتصل بالدعاية الإعلامية المغرضة وهذه المفارقة بطرفيها ليست خاصة بجهة مراقبة معينة بل إن أنصار الحزب منقسمون علي طرفيها و كذلك الخصوم والمنافسون .
وبما أن الرئيس سيغادر الحزب في هذا المؤتمر بحسب النظام الأساسي والداخلي للحزب وبما أن مغادرة رئيس مؤسس لحزب في بلادنا بغير العجز أو الموت أو الانقلاب الداخلي أمر لا وجود له إلا في الإمكان العقلي أو الخيال التصوري وبما أن رئيس الحزب يحمل صفات قيادية وكاريزما نادرة وبما أن الحزب يخوض أول معركة واقعية مع التغيير الحقيقي على مستوي القيادة العليا وبما أن التجربة التداولية في أدبيات الحزب مغرية بعض الشيء ولافتة للكثيرين وبما أن قدرة الحزب على التنامي المتماسك والتمدد الأفقي المتدرج داخل البلد يؤرق أطرافا داخلية وخارجية فاعلة في المشهد السياسي كالعسكر وذراعه السياسي الحزب الحاكم وكدول عربية وغربية تنظر بعين الريبة لكل ما مرجعيته إسلامية خصوصا في أمر السياسة كما يؤرق وإن بدرجة أقل أطرافا منافسة إما على مستوي الفعل السياسي أو على مستوي الفكر الإديولوجي كما أن هناك أطرافا أخري تروق لها تجربة الحزب وحريصة على نجاحها كنموذج لعله يكون مثالا يؤدي وإن بنقل العدوي أو إعطاء القدوة إلى تغيير إيجابي جاد في البلد على ما يكتنف ذلك من مخاطر نظرا لهذه الأبعاد كلها و أكثر فقد أصبح هذا المؤتمر بالذات مؤتمرا شاغلا حقيقيا لكل من الأنصار والمنافسين والخصوم والمتفرجين في الداخل والخارج .
وبما أنني أحد المراقبين المهتمين بشأن الحزب وأحد المحسوبين عليه عشت تجربته منذ مرحلة الإصلاحيين الوسطين مرورا بمرحلة الترخيص فالانتساب فالتأسيس فالمؤتمر الثاني فالحملات الانتخابية إلى أن قعد بي النأي المؤقت عن الميدان كمغترب في الخليج فإن هذا الحدث المفصلي في تاريخ الحزب قد شغلني كما شغل اهتمام الجميع لذلك سأجل النقاط التالية :
1 ــ مما لا شك فيه أن الحزب مر خلال عشريته المنصرمة بمنعرجات كثيرة صعبة وحساسة شق فيها طريقه وسط أشواك وألغام ليس من السهل تجاوزها بسلام بدليل أن أحزابا سياسية وازنة بثقلها الشعبي وبعمقها التاريخي وبكادرها المؤهل لم تسلم فيها من وهدة السقوط المدوي ومع ذلك استطاع الحزب اجتياز تلك المنعرجات محافظا على خطه المبدئي مكرسا مبدأ التناوب الذي يحمله شعارا على مستوي هياكله محافظا على انعقاد هيآته محترما الآجال الزمنية سالما في الغالب من تكلس الأفراد على المقاعد معززا حضوره بتدرج أفقي في ساحة الجماهير رغم صعوبة التحدي وشراسة معركة التنافس وعدم تكافؤ القوي وشح الإمكانات عكس ما يتوهمه الكثيرون مما جعل الحزب يحافظ على ألق تجربته وتنامي الاهتمام به
2 ــ في نظري المتواضع ـ والله أعلى وأعلم ـ أن الفضل في تلك المكتسبات يرجع من حيث البعد السببي إلى :
ــ رئيس الحزب فيما يتصل بتحرير المواقف ثم تبريرها والدفاع عنها إعلاميا فقد كان رئيس الحزب بمستوي التحدي في هذا الإطار بالذات لذلك لم يحصل في الساحة السياسية طارئ يستدعي موقفا إلا كانت طريقة تعامل الرئيس معها رافعة تكسب الحزب رضا جمهوره وإعجاب المتفرجين عليه كما كانت صمام أمان أما هزات اختلاف الرأي الداخلي و الذي هو أمر طبيعي وضروري غالبا ما تفقد بعض الكيانات السيطرة على إدارته بإيجابية من شأنها أن توازن بين حق الكل في التعبير والحوار وبين حفظ الجبهة الداخلية والحفاظ على فاعلية الأفراد . فالطلعات الإعلامية التي غالبا ما يخرج لها الرئيس في إطار تشريح مواقف الحزب أو تبريرها و الرد على الشبهات كانت دائما موفقة وناجحة في الوصول إلى الغرض وهذا الجانب من أكبر الحسنات التي تحسب لرئيس الحزب كما أن قدرة الرئيس على حجز مكانة مرموقة بين الشخصيات الرمزية والمؤسسات خارج البلد إضافة إلى قدرته التنظيمية والإدارية علاوة على بساطته وقربه من الجميع كل ذلك جعل منه شخصية الحزب الأولي دون منازع بالرغم من أن في الحزب كوادر ذائعة الصيت قوية التأثير قد لا تقل أهمية عن الرئيس وقد تتفوق عليه في بعض الجوانب لكن ظل التكامل في شخصية وأداء الرئيس عنصر امتياز حاز به قصب السبق دون ضجيج أو صخب .
ــ المرأة التواصلية هي الأخري لم تكن أقل دورا فقد نجح الحزب ربما أكثر من غيره على صعيد حقوق المرأة من حيث إخراجها من الخمول و إقناعها بالنزول إلى ساحة الفعل المشترك كما قد نجح في تكوين كادر نسائي مؤهل يزاحم الرجل في الثقافة والعلم والمعرفة والفهم والوعي والاستيعاب و يتفوق على الرجل بجذوة العاطفة المتقدة التي هي وقود الإنتاج وسر الإنجاز وهو أمر لا تخطئه العين عندما ننظر إلى دور المنظمة النسائية داخل الحزب وعندما ننظر إلى صوت المرأة التواصلية داخل البرلمان وعندما ننظر إليها وهي تزاحم في العمل الثقافي والتربوي والدعوي والتعليمي والخيري من خلال المشاركة في هيآت ومنظمات داخل المجتمع المدني وأذكر أنني كنت ضمن لجنة تحسيس إبان الحملة الانتخابية النيابية الأخيرة وكنا نتجول في أحياء العاصمة كسبا للناخبين فكان مما أثار دهشتي أن كثيرين من العوام في المجتمع لا يعرفون شيأ عن الحزب إلا اسمه لكنهم يعرفون نساءه بوصفهن وأدائهن ولقد قال لنا أكثر من واحد : و الله لقد مثلكم نساؤكم خير تمثيل والله لم يقصرن ...
ــ الأطر الشبابية أو ما يسميه بعض الشانئين ( غلمان تواصل ) ومن المفارقة أن يستخدم مفكرون ودكاترة لهم وزنهم في الساحة الثقافية ولهم حضورهم الإعلامي هذا المصطلح على وجه التهكم والسخرية والاستخفاف بينما يصرخ وارد السيارة بعد أن أدلي دلوه وهو يكاد يطير فرحا يا بشراي هذا غلام وبينما نري عزيز مصر يقول لامرأته أكرمي مثويه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وبينما يقول ربنا جل وعلا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحي فمتي كان وصف الغلمانية يوما مدعاة للسخرية وهل عبر كهل إلى رشد الكبار إلا عبر تجربة الغلمان المليئة بالحياة والتقلبات إن غلمان تواصل حتي ولو سلمنا جدلا أنهم مارسوا السفه والطيش تجاه خصوم تواصل فإن تلك السفاهة لعمري ليست إلا من باب تبختر أبي دجانة يوم أحد حيث استثنيت من السفه المقيت خصوصا عندما لا يحلم الكهول الدكاترة أصحاب الوظيفة السامية والقلم السيال : وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده وإن الفتي بعد السفاهة يحلم . على أن غلمان تواصل كما يحلوا للبعض أن يسميهم لم يكونوا يوما سفهاء بالمعني الحقيقي للسفاهة وإن صح تسميتهم سفهاء فلا يعدوا ذلك أن يكون من باب المشاكلة على حد قول الله تعالى ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين أو على حد قول الشاعر الحكيم لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج وما كنت أرضي الجهل خدنا وصاحبا ولكنني أرضي به حين أحرج فإن قال قوم إن فيه سماجة فقد صدقوا والذل بالحر أسمج ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ولي فرس للجهل بالجهل مسرج .
هؤلاء الغلمان أبلوا بلاء حسنا في مسيرة حزب تواصل وكانوا للحزب حلية ومتاعا وجنودا أخفياء على كواهلهم نجحت مناشط الحزب غير القليلة وغير الباهتة وبحناجرهم الصادحة وصل صوته وببطولاتهم في ساحات النضال السياسي والنقابي انتزعت حقوق الكثيرين وبرباطهم في المكاتب الخدمية حلت مشاكل المنسيين فتحية لشباب تواصل تليق بمقامهم
ــ رموز قيادية نادرة : من حسن حظ تواصل أن لديه رصيدا من الشخصيات القيادية التي استطاعت أن تعطي القدوة في العمل القيادي وأن تترك بصمتها وتكتب اسمها في ذاكرة المجتمع فحفظ الله الحي ورحم الميت ولست هنا بصدد ذكر الأسماء لكن لأنبه إلى أن أهم دور لهذه القيادات أن حضورها في ذاكرة جمهور تواصل جنب الحزب في محطات كثيرة من فتنة بعض القيادات غير الناضجة في كثير من المناطق
ــ الجنود الأخفياء : لا تخطئ عين المراقب من الداخل كما غير قليل من الجنود الأخفياء الذين ظلوا أوفياء رغم الحرمان أحيانا ولم يكن دورهم و تأثيرهم في ساحات العمل بأقل من دور القيادات المحورية في الحزب وهؤلاء الجنود الأخفياء فتحوا للحزب على جهدهم الخاص مساحة واسعة ولعبوا أدوارا مهمة وحاسمة في أوقات صعبة وحرجة للغاية وهنا أرجوا من الحزب أن يفتش عن هؤلاء وأن يؤدي إليه حقوقهم فلقد تعرفت في بعض البيئات على أفراد عملوا مخلصين وتفانوا في عملهم وأبلوا بلاء حسنا ثم عدا عليهم الدهر فعضهم بنابه وبعضهم لم يلق اهتماما ولا مكافأة ولم يكن مستعدا للتعريف بنفسه وقد لا يحالفه الحظ بأن يعمل في ظل قيادة مباشرة مؤهلة لمعرفة حقه وقدره وإن لم يعرف الحزب قدر هؤلاء وحقهم فقد يفقد مع الوقت أقوي مكوناته تأثيرا على المستوي القاعدي وقد يعاقبه الله عقوبة على التفريط بحقوق أهلها أكثر استحقاقا من كثيرين على المسرح .
3 ــ على التواصليين وهم على أعتاب مرحلة جديدة مختلفة تماما عن ذي قبل أن لا يستمرئوا روتين العمل الذي ألفوه وبواسطته استطاعوا اجتياز المرحلة السابقة كما عليهم أن لا يسحرهم ألق التجربة واتساع قاعدة الجماهير فالعقد الذي مضي لا يعدوا كونه مرحلة تأسيس شبه ناجحة إذا قورنت بواقع الأحزاب السياسية على الصعيد المحلي فقط ومعلوم أن طبيعة الأحزاب السياسية محليا لا يقاس بها شيء لأنها ليست بشيء فيما يخص العمل المؤسسي والعمل الديمقراطي مع تقديرنا للجميع فتواصل من هذه الزاوية يجري في المضمار منفردا فالمرحلة الجديدة بعد هذا المؤتمر ستحدث هزات لا تقل عن هزات الزلازل الارتدادية وهي مرحلة يراقبها الجميع وسيعمل الجميع على أساسها خصوما ومنافسين وحتي بعض المنتسبين من الداخل ستكون المرحلة المقبلة مرحلة انتقالية بما في الكلمة من معني ويمكن لاقتباس لها من مرحلة وفاة الرسول الكريم وما حدث على إثره ليس الأمر متصلا بقضية الرئيس الناجح محل إجماع التواصليين بل لكون الحزب منذ عقد من الزمن لم تتغير قيادته العليا ولكون قاعدته الجماهيرية إبان مؤتمر التأسيس والمؤتمر الثاني لا تعدوا كونها لفيفا من النخبة وقليلا من القواعد العامة و الكل قليل العدد مقارنة بالقاعدة الحالية فجماهير الحزب في المراحل السابقة كعلي وعثمان من السهل عليهم أن يتفقوا على أبي بكر وعمر أما الآن فالحزب يستبدل قيادته العليا والنخب في داخله ربما يظهر عندها في المستقبل سلوك التنافس المعلن بدعوي الاستحقاق والسابقة والعطاء والمؤهل , وجماهيره الآخذة في الاتساع ستكون مستقبلا مجالا صالحا للاستقطاب ودعاية المتنافسين , والنقد والرقابة لأداء كوادر الحزب وقادته سيكون أكثر حدة وجرأة في المستقبل , وستظل تجربة الرئيس السابق مشجبا يعلق عليه كثيرون سخطهم لما لم يرضوه من سلوك القيادة الجديدة هذا عدا عن زيادة الأعباء على كاهل القيادة الجديدة نظرا لاتساع قاعدة الحزب و مكتسباته والغنم بالغرم .
ستكون المرحلة القادمة حقلا حقيقيا لاختبار صلابة الحزب من رخاوته وسيكون الحزب فيها تحت عين السلطة الساهرة المتوجسة وسيكون عرضة لكثير من محاولات التحجيم والتقزيم أو الابتزاز وربما لا سمح الله تكون مرحلة فيها شيء من لي الذراع لأن السلطات المتسلطة استبدادا وأذرعها عندما تتأكد أن الحزب سيرسخ قدمه مؤسسيا وفكريا وديمقراطيا في أعماق موريتانيا الأعماق وسيكون منافسا حقيقيا ستتصرف وقد لا يكون لتصرفها سقف خلقي أو وطني كما أن الخصوم والمنافسين السياسيين لن يدخروا جهدا ولن يضيعوا فرصة خصوصا في الفترات الأولي للمرحلة القادمة من شأنها أن تحد من فاعلية الحزب واجتياحه للجماهير وشواهد ذلك ماثلة داخليا فيما مر من تفكير مستمر في حل الحزب ومن ضرب لقواعده عبر حل جمعية المستقبل التي تمثل رافدا غير مباشر من روافده كما لا تخفي شواهده خارجيا فيما يحصل من ثورة مضادة أتت على الأخضر واليابس وشيطنت كل تجربة شعبية تعبوية تستمد قوتها من الداخل لا الخارج .
ومن هنا أنصح التواصليين والتواصليات بأن يشمروا عن ساعد الجد في المرحلة المقبلة وأن يطوروا أساليب التعامل مع المرحلة تماما وأن يستخدموا كل التكتيكات على كل الصعد بما يضمن ثقة الجماهير والقدرة على مواجهة الأعاصير فأقترح على مناضلي الحزب و مناضلاته ما يلي :
ــ أن يخففوا من المظاهر الشكلية للتدين بحيث لا يكون هناك لباس أو هيئة محسوسة يمكن من خلالها تصنيف منتسبي الحزب في الشارع العام فإن ذلك التميز الشكلي شارة تسهل على المخابرات عملها ضد الحزب كما تسهل في مراحل المواجهة و الصدام التأثير القوي على نشطاء الحزب وقواعده على حد سواء وهو أمر يمكن تلافيه أو تخفيفه بالتخلي عن المظاهر الشكلية حتي اكتمال البنيان والوصول إلى بر الأمان فالجوهر هو المهم والطلاء قبل اكتمال البناء غباء و رياء .
ــ أن يركزوا على سياسة نفع الجماهير وتقديم الخدمات لها وتقوية الجانب الاقتصادي وتوسيع دائرة العمل المؤسسي في مختلف الاتجاهات و بالتشارك مع مختلف مكونات المجتمع حتي من خارج منتسب الحزب لكي يستطيع الحزب في الظروف الاستثنائية أن يحافظ على قدرات تمكنه من النفس الطويل في المواجهة والتحدي
ــ أن ينزلوا عن الخطاب الطوباوي الحالم والدعوة إليه وأن يستبدلوه بتشكيل أجهزة تابعة للحزب تعمل من داخل الحقل القبلي والجهوي والفئوي والعرقي وتستخدم لغته في إطار حقوق القبائل والجهات والأعراق والفئات بما لا يصادم المبادئ الكبري و بما يحقق مصالح هذه المكونات المشروعة وبما يجعل الحزب يدخل على خصومه ومنافسيه في عقر دارهم وفي أصلب معاقلهم وبما يضمن التحام كوادر الحزب بالجماهير مما يشكل جدار حماية وصمام أمان في الأزمات وقد جربت شيأ من هذا قبل مغادرتي البلاد وأدركت أنه بالغ التأثير والأهمية ولا يؤثر إطلاقا على المبدئية ولا توجهات الحزب إذا تمت إدارته بحنكة وحكمة
ــ أن يعرفوا أن المتربصين بهم من الداخل والخارج كثيرون جدا وبالتالي فعليهم أن يكثروا من العمل القاعدي الصامت وراء الأضواء وأن يخففوا من التحشيد وإظهار القوة في الميادين كما ينبغي أن تكون علاقتهم بالسلطات إبان المرحلة المقبلة غير حدية بالإطلاق لأن للمرحلة المقبلة ما بعدها فإما أن يخرج الحزب منها منتصرا عصيا على الاستئصال أو التحجيم وإما لا سمح الله فقد لا نستطيع توقع ما قد يحصل فالظروف غير ناضجة لعمل طبيعي حتي الآن والمؤشرات تؤشر لمستقبل عالمي أقرب إلى الاضطراب خاصة أن قرن الاستعمار منصرم ودولة الأيام تقول بأن العشرية القادمة عشرية تحول في الخريطة العالمية . والأكثر نشاطا وفاعلية فيها هو الأبقي
ــ أتمني أن يستفيد الحزب من الرئيس المنتهية ولايته كمستشار سياسي وكمحاور بارع ومقنع فيحملوه إلى الجماهير في أنحاء الوطن ولاية ولاية مقاطعة مقاطعة بلدية بلدية حتي يخصب وعي الجماهير وحتي يمحو ما تبقي من صورة نمطية قد علقت بأذهان الكثيرين في السابق عنه فذلك من الروافع الأساسية في هذه المرحلة فإذا استغل الحزب فراغ الرئيس من أعباء الرئاسة قبل أن ينشغل من جديد فيطوف به آفاق الوطن كمناضل عادي يخاطب القواعد الشعبية بعد أن قاد الحزب في هذه المراحل الصعبة فإن الحزب سيكسب كسبا غير عادي في نظري وهو بحاجة ماسة إليه خصوصا في الشهور الأولي بعد المؤتمر الجديد .
ــ على حزب تواصل أن يدرك أنه حزب سياسي يرشح نفسه لقيادة دولة مواطنوها منهم البر والفاجر والصالح والطالح وبالتالي فلا معني لتنميط الحزب بنمط يقصي منه أي مكون اجتماعي سواء بداعي التمسك بالثوابت الإسلامية كخلفية ومنطلق أو بمبرر أن دين الدولة والشعب هو الإسلام وبالتالي يجب على حزب تواصل أن ينفتح على الفن والفنانين دون قيود أو شروط وأن يتسع صدرا لكل منتسب للحزب كما عليه أن لا تكون لوائحه مشترطة على الناس في مجال القيم والمبادئ خصوصا الدينية منها إلا ما يمثل إجماعا معلوما من الدين بالضرورة يتفق عليه الجميع أو قاسما مشتركا بين مكونات الشعب الموريتاني وإن كان في المجتمع استثناء من تلك القواعد فتجب مراعاة حقوق تلك الاستثناءات فالاطار السياسي أوسع وأجمع من الفكرة والإديولوجيا فالناس إما إخوة في الدين أو نظراء في الخلق وكلاهما لهم حق المواطنة دون تفاوت كما قرر ذلك الخلفاء الراشدون في مخاطباتهم للولاة وأول مجتمع حكمته دولة الإسلام جمع اليهود وعبدة الأوثان و النصاري والمسلمين دون تمييز في حق المواطنة من حماية واحترام للحرية وتوفير للخدمات وضمان للحقوق وعدل في المرافعات .
كما على التواصليين أن يحافظوا على ما كانوا يحافظون عليه من ترفع عن السقف الواطئ الذي ينزل إليه بعض خصومهم ومنافسهم حسدا وبغضا وأن يتساموا عن كل أنواع الأذي بل من واجبهم أن يعفوا ويصفحوا حتي يوفروا الوقت والجهد لتحقيق الأهداف وإسعاد المواطنين .
وأخيرا أتمني لكل التواصليين مؤتمرا ناجحا ومرحلة بعده أكثر نجاحا و لئن كان النأي قعد بالأشباح فإن المسافات لم تؤثر على حضور الأرواح فما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كنا معكم حبسنا العذر
أسرب القطا هل من يعير جناحه @ لعلي إلى من قد هويت أطيــــــــــــر